تلك هي الوظائف الاجتماعية - الحيوية والنفسية - التي تؤديها ظاهرة السحر، وهي تمثل جميع خصائص الظاهرة الاجتماعية، ما ضمن لها البقاء في المجتمعات، إما باعتبارها اعتقادات أو عادات، أو موردًا سخيًا للتكسب به، أو سبيلاً للوجاهة والسلطة عند من يمنح السحرة هالة، ويعتقد بهم قدرة فائقة.
إن من المسلّم به - في علم الاجتماع - أن الإنسان هو نتاج ثقافته، وأن التنشئة الاجتماعية هي عملية تحويل هذا الإنسان (الكائن الخام عند مولده) إلى كائن مثقف واعٍ متفاعل بإيجاب مع تلك البيئة المحيطة به. كما أن الإنسان بحكم فطرته ينزع دومًا وبإصرار إلى مزيد من الاستقلال والحرية المتنامية سعيًا إلى تحقيق ذاته والسموّ بها، وهذا النزوع هو منبع متدفق لعملية التجديد الاجتماعي، ومن غير هذا التمرد - إن صحّ التعبير - يبقى المجتمع آسنًا آيلاً إلى التحلل الذاتي، ومن ثم الاندثار.
أخي القارئ، لقد سقت إليك هذا التمهيد لنخلص معًا إلى أن نَزَعات الشباب المستمرة إلى التغيير ليست في ذاتها مذمومة، بل هي الأداة الأقوى إلى الحدّ من سطوة تلك العادات الاجتماعية، التي قد لا تكون دومًا متوافقة مع روح الدين وتعاليمه. وعلى ذلك؛ فإن الانفتاح لتقبّل كل حسن من الجديد، يزيد من كفاءة الأمة على عيش عصرها، بل واستباق كفاءته أحيانًا، وقد عاشت الأمة حِقَابًا من الزمن فاقت فيه بوعيها المتجدد أمم عصرها، فبينا كانت أوروبا تتناحر إماراتها، وتغرق في ظلمات جهالتها، كانت الأندلس تزهو حينها بمنارات معاهدها واختراعات علمائها، وكانت مثالاً يحتذى انبهر به كل من حولها!!