ونعود بعدها إلى تعليل تواصل هذه الظاهرة في المجتمعات البدائية منها والمتقدمة، لنجد أسبابًا ثلاثة تكمن وراء ذلك (?) :
1- شغف الإنسان بفطرته - إلى تفسير الظواهر الغامضة والغريبة في الكون، فلا تبقى في مخيلته مجهولة يتوجس منها خيفة، ويترقب أن تداهمه في كل لحظة، فإذا ما استكشف حقيقة هذا المجهول تسبب له ذلك باطمئنان نفسي، وجعل لهذه المجهولات قدرها الذي تستحقه دون المبالغة في جعل هالة حولها تقلق النفس وتؤرق الروح وتشغل الفكر.
2- شعور الإنسان دومًا بحاجته لقوى خارقة تختصر له طريق البلوغ إلى مآربه، وبخاصة إذا ما بذل في تحصيل حاجاته قصارى جهده فأعجزه ذلك، عندها يبحث جادًا عن وسائل تنوّله - بأقل جهد ممكن - مراده، وتحقق له بتعويذة مثلاً أو بكتابة وَفْقٍ جميع حاجاته!! فمن كانت عاقرًا فإنها تلد بحمل حجاب، ومن كان مبتلى بمرض عضال أعجز أهل الطب، تخلص منه بطلسم قاهر لا يرد أمره ولا يتخلّف وعده! وهذا الشعور بالقصور الإنساني تزيد نسبته عند الإنسان البدائي الأمي، لكنه قد يتعداه إلى من حاز أعلى الدرجات العلمية، بل وإلى حكام الشعوب أحيانًا، فينشئ أحدهم حربًا مثلاً أو يعقد سلمًا تبعًا لتكهن كاهن أو تنجيم ساحر أو نبوءة عراف!!
3- استخدام بعض الناس السحر كوسيلة للدفاع من أذى الآخرين، وكذلك لحماية الممتلكات الخاصة، لاعتقادهم بذلك، وقد يستعمل البعض السحر لإيذاء الآخرين بالتفريق أو الأمراض ونحوه أو التنكيل بالأعداء، أو لجلب محبوب، أو حتى لجلب زبون، أو ترويج كاسد من سلعة، ولعل هذا الدافع هو الأقوى لاستمرار هذه الظاهرة، فالإنسان تتعدد حاجاته وهو يسعى حثيثًا لتحقيقها، ومن الناس من يعتقد أن السحر هو الطريق الوحيد لذلك.