وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) والغاية من ذلك: أن تبقى حجة الله على الناس قائمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
أيضًا من مميزات القرآن الكريم: أن هذا القرآن الذي أراد الله له الخلود لا يتصور أن يأتي يوم يصل فيه العلم إلى حقيقة تتعارض مع حقائقه، فالقرآن كلام الله، والكون عمل الله، وكلام الله، وعمله لا يتناقضان أبدًا، بل يصدق أحدهما الآخر؛ ومن ثم فقد جاءت الحقائق العملية مصدقة لما سبق به الكتاب تحقيقًا لقوله سبحانه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: 53).
أيضًا الله يريد لكلمته أن تذاع، وتصل إلى العقول والأسماع، وتتحول إلى واقع عملي، ولا يتم ذلك إلا إذا كانت ميسرة للذكر والحفظ والفهم؛ ولهذا جاء القرآن سهلًا، ليس فيه ما يشق على الناس فهمُهُ، أو يصعب عليهم العمل به. قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (القمر: 17).
ومن تيسيره: أن حفظه الرجالُ والنساء، والصغار والكبار، والأغنياء والفقراء ويرددونه في البيوت، وفي المساجد، ولا تزال أصوات القراء تدوي به في كل ناحية، ولا نعلم أن كتابًا من الكتب غير القرآن نال من هذه الميزة بعدما اختص به القرآن الكريم، والقرآن بهذا لا يساميه، أو لا يقاربه كتاب آخر في تأثيره، وهدايته، ولا في موضوعه، وسمو أغراضه؛ ومن ثم كان خير الكتب وأفضلها على الإطلاق.
أما التوراة فحرفت، إننا نؤمن بأن التوراة نزلت على موسى، وأن ذلك ركن من أركان الإيمان عندنا، وقد أخبر الله أن فيها هدى ونور، وأثنى عليها بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} (الأنبياء: 48) إلا أن