فمن حق الجماعة على الفرد الذي يريد أن ينتفع بمرفق من المرافق العامة ألا يستعمل المرفق بشيء يؤذي أحد له حق في استعماله؛ إذ المرافق العامة حق مشترك بين جميع الأفراد،
والحقوق المشتركة ذات حدود؛ ومن حدودها ألا ينتفع الفرد منها انتفاعًا يؤذي فيه أحد ًا من الشركاء الذين لهم حق الانتفاع بها، أو يعرض حقه للضياع، ومن حدودها ألا يستأثر لنفسه بأكثر من حصته في الحق المشترك؛ فليس من حق إنسان أن يمر في طريق عام مكتظ بالناس ويحمل معه في الوقت نفسه قضبانًا طويلة من الحديد أو أعمدة خشبية كبيرة أو صناديق عريضة فيضرب بما يحمل من على يمينه تارة ومن على شماله تارة أخرى ثم من أمامه ثم من وراءه، وليس من حقه أن يحمل كيسًا من فحمًا أو شقة من لحم ويمر بما يحمل في معترك الناس فيصبغ ثياب الناس البيضاء بفحمه أو يلوثها بدهن شحمه ودم لحمه ويؤذيهم بهذا، وليس من حقه أن يدخن لفافته بين الناس وينفخ دخانها في وجوههم وأنوفهم، أو ينثر رمادها عليهم، أو يقذف عقبها قذفًا عشوائي ًّ اربما تقع به على شيء تحرقه من متاع الناس أو ممتلكاتهم، ويزعم أنه ينتفع بحقه في مرفق عام متجاوزًا بذلك حدود حقه.
وكم من الناس الذين يمرون في الطرقات ويستخدمون المرافق العامة لا يعرفون حدود حقوقهم، أو يعرفونها ولا يراعونها؛ فيؤذون الناس أذى كثيرًا وكبيرًا، فكم من ضربة أو لكمة أو غمزة أو دفعة أو لذعة بنار يصاب بها الناس بعضهم من بعض في الطرقات والمرافق العامة، أو تنزل عليهم بما يقذفه المسيئون قذفًا عشوائي ًّ ادون أن يجدوا وخزًا في صدورهم من سوء أعمالهم، ويفعل المسيئون ما يفعلون من ذلك دون أن يبالوا النتائج كأن الطرقات العامة لهم وحدهم، وكأن المرافق العامة إنما جعلت من أجلهم خاصة ف هم يفعلون بها ما يشاءون،