المستكبرين أبعد الناس عن الجنة، وأن الكبر والكفر قرينان؛ إذ لا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من خردل إيمان، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، ولكن ليس المراد من الكبر ما يشمل رغبة الإنسان بأن يكون مظهره أنيقًا ولباسه حسن، بل المراد منه كما فسره الرسول -صلى الله عليه وسلم- بطر الحق وغمط الناس، وقد سبق تفسير هذا التعريف النبوي؛ ففرق الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين الكبر وبين المظاهر الجميلة التي قد يدفع إليها الكبر وقد يدفع إليه حب الجمال والرغبة في الأناقة، وعندئذ لا تكون من قبل الكبر ولا دالة عليه.
والكبر الذي يحرم المستكبر من دخول الجنة؛ هو الكبر عن الإيمان بالله، وبما جاء من عنده -سبحانه وتعالى- وبكل ما أمر بالإيمان به، وكذلك الكبر عن طاعة الله، وكل أمر من أوامر الله، أما كبر الناس على الناس دون أن يؤثر ذلك على قضيتي الإيمان والطاعة لله فهو من المعاصي الكبرى ومن الكبائر؛ إلا أنه لا يخرج صاحبه من دائرة الإيمان والإسلام إلى دائرة الكفر والحرمان من دخول الجنة؛ فهو مسلم عاص، وأمره إلى الله -سبحانه وتعالى.
وسبق أن ذكرنا أن الإمام مسلم روى عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((احتجت الجنة والنار)) احتجت الجنة بأنه لا يدخلها إلا الضعفاء والمساكين واحتجت النار بأنه يدخلها الجبارون والمتكبرون، فبين الله سبحانه وتعالى أن الجنة رحمته يدخل فيها من يحب من عباده، وأن النار عذابه يعذب بها من يشاء من عباده، فدلت النصوص على أن الكبر داء يجر إلى أوخم العواقب، والكبر له أثر سيئ على سلوك صاحبه فيتولد عن داء الكبر أنواع قبيحة من السلوك الداخلي والخارجي، فالمستكبر قد يجحد الحق الذي لغيره ولا يعترف له به؛ لأنه لا يريد أن يخضع لغيره، أو لا يريد أن يفوق عليه أو يساويه أحد في الامتياز، وحين لا