حرمت النصوص الإسلامية الاستكبار بغير حق، وأبانت أن الكبر من قبائح أخلاق الإنسان حثت على التواضع؛ ابتغاء مرضاة الله ورغبت فيه، وأبانت أن من تواضع لله كافأه الله على تواضعه برفعه قال -عليه الصلاة والسلام-: ((وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) وهذا من سنن الله في عباده.
كما أن من استكبر وتعالى على خلق الله أذله الله، ومن الملاحظ أن الناس يحبون المتواضع ويألفونه، ويكرهون المستكبر ويأنفون عنه ولا يألفونه، والسر في ذلك أن المتواضع ينزل نفسه إلى مستوى جلسائه فيعيش معهم بوداعة وانطلاق، ويعيش معهم ويعيشون معه بمثل ذلك فيتم بينه وبينهم الألفة والوئام، وذلك يولد المحبة بخلاف المستكبر فإنه يرفع نفسه فوق مستوى جلسائه فيعيش وحده في جو نفسي متعاظم، ويحيط نفسه بسياج شائك لا وداعة فيه ولا انطلاق، وحين يرى جلساؤه ومعاشروه ذلك منه يبتعدون عنه بنفوسهم فلا يألفونه، ويرونه يضع نفسه فوقهم فيكرهونه، فكلتا الثمرتين من النتائج الطبيعية لكلا العملين، يضاف إلى ذلك أن المتواضع لا يثير في الناس دافع المنافسة فيكون مألوفًا محبوبًا بخلاف المستكبر فهو يثير في الآخرين دافع المنافسة بقوة فيكون مكروهًا غير مألوف للنفوس، لا سيما إذا كان هو في نظرهم دون المكانة التي يرفع نفسه إليها.
ولما كان التواضع من الأخلاق التي تملك القلب بالمحبة أمر الله رسوله بأن يخفض جناحه للمؤمنين مع أنه -صلى الله عليه وسلم- رفيع المكانة في نفسه، عظيم المنزلة عند الله تعالى، فقال الله تعالى له في سورة "الحجر" {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (الحجر: 88)، فكان -صلوات الله وسلامه عليه- يخفض جناحه للمؤمنين؛ فلا يتعاظم عليهم، ولا يستكبر، ويجلس بينهم كواحد منهم حتى يدخل عليه وهو في أصحابه من لا يعرفه فيقول: أيكم محمد؟ وربما كانت توقفه الأمة، وتأخذ بيده