ويقص الله علينا قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب - عليهم السلام - في سورة " الشعراء " ويخبرنا بأن كل رسول من هؤلاء قد قال لقومه: إني لكم رسول أمين.
ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- قد كان في قومه قبل الرسالة وبعدها مشهورًا بينهم بأنه الأمين؛ فكان خلق الأمانة من الأخلاق الظاهرة البارزة فيه - صلوات الله عليه - حتى كان الناس يختارونه لحفظ ودائعهم عنده، ولما هاجر - صلوات الله عليه - وكل علي بن أبي طالب لرد الودائع إلى أصحابها.
فالأمانة من الأخلاق الكريمة الفاضلة التي نادت بها كل الشرائع السماوية، تنزلت بها الكتب، ودعا إليها كل الرسل، وجاء الإسلام فأكد عليها في القرآن الكريم وعلى لسان سيد الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء: 58).
وسبب نزول هذه الآية: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يدخل الكعبة يومًا قبل الهجرة فمنعه القائم عليها عثمان بن طلحة وكان مشركًا يومها، فقال له -صلى الله عليه وسلم- تذكر يا عثمان بن طلحة عندما تكون المفاتيح بيدي يومًا ما، وبعد ذلك هاجر -صلى الله عليه وسلم- وتكونت دولة الإسلام وجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاتحًا مكة وتم الفتح العظيم، وانكسر الشرك وأهله، واندحرت دولة الكفر، وسلمت مكة إلى المسلمين، وأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب إلى عثمان بن طلحة ليأتي بمفاتيح الكعبة، وذهب إليه علي وأخذ منه المفاتيح رغمًا عنه، وألقاها في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعثمان ينظر ويتذكر ما قاله -صلى الله عليه وسلم- سابقًا؛ تذكر يا عثمان يوم أن تكون المفاتيح بيدي يومًا ما، وفي هذه الحال نزلت الآية الكريمة {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، فنادى -صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن طلحة قائل ً ا: ((يا عثمان بن طلحة خذ المفاتيح خذوها خالدة تالدة إلى يوم القيامة لا ينزعها منكم إلا ظالم)).