وروى الترمذي بإسنادٍ حسن عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن من أحبكم إليَّ، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنِكُم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليَّ، وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون أي: المدعون للفقه قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيقهون؟ قال: المتكبرون)) الثرثارون: هم الذين يكثرون الكلام، ويتكلفونه، المتشدقون: هم الذين يتكلمون بملء أفواههم، ويتصنعون القولَ تصنعًا مع التعاظم بِهِ، والتعَالِي به على النَّاسِ.
الحديث الخامس وروى أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن المؤمن ليدركُ بُحُسْنِ خُلُقِهِ درجةَ الصائمِ القائم)) ويظهر: أن السبب في هذا أن من يلتزم التقيد بالأخلاق الحسنة؛ ابتغاء مرضاة الله تعالى لا بد أن يتَعَرّض في حياتِهِ الاجتماعية إلى ما يستدعي منه أخلاقًا حسنة في معظم أوقاته، وهذا يجعله في حالةِ عبادةٍ دائمة يغالب فيها نفسه بالصبر، وتحمل مشقة مخالفة الهوى؛ لذلك فهو يدرك بحسن خلقِهِ درجةَ الصائم الذي لا يفطر، ودرجة القائم الذي لا يفتر -أي: لا يتعب- يضاف إلى هذا أن حسن الخلق عبادةٌ ذات آثار اجتماعية تنفع خَلْقَ الله، وتوحد كلمتهم، تبعد عنهم عوامل الفرقة والخلاف.
أما الصيام والقيام: فهما عبادتان قد لا تنتج عنهما بشكل مباشر آثار اجتماعية تنفع عباد الله، وقد يكون أمرهما قاصرًا على فاعلهما، وصلة خاصة يتوجه بها الإنسان إلى ربه، ولا يخفى أن عبادة الله تعالى ذات أثرين، أعلى من عبادةٍ ذات أثرٍ واحد، على أن حسن الخلق لا يغني عن فروض العبادات، وكذلك كلُّ الفرائضِ الإسلامية لا يغني بعضُهَا عن بعض فالصلاة المفروضة لا تغْنِي عن