وإذا كانت ذميمة كانت آثارها ذميمة، وعلى قدر قيمة الخلق في النفس تكون بحسب العادة آثاره في السلوك، إلا أن توجد أسباب معوّقة أو صوارف صادَّة عن ظهور آثار الخلق في السلوك.

وليست كل الصفات المستقرة في النفس من قبيل الأخلاق، بل منها غرائز ودوافع لا صلة لها بالخلق، ولكن الذي يفصل الأخلاق ويميزها عن جنس هذه الصفات كون آثارها في السلوك قابلة للحمد أو للذم، فبذلك يتميَّز الخلق عن الغريزة ذات المطالب المكافئة لحاجات الإنسان الفطرية.

إن الغريزة المعتدلة ذات آثار في السلوك إلا أن هذه الآثار ليست مما يُحمد الإنسان أو يُذم عليه، فالأكل عند الجوع بدافع الغريزة ليس مما يُحمد أو يُذمّ في باب السلوك الأخلاقي، لكن الشَّره الزائد عن حاجة الغريزة العضوية أمر مذموم؛ لأنه أثر وخلق في النفس مذموم هو الطبع المفرط، وعكس ذلك أثر لخلق في النفس محمود هو القناعة، والحذر من وقوع مكروه أثر من آثار غريزة حب البقاء، وليس محلًّا للمدح أو الذم في باب السلوك الأخلاقي، لكن الخوف الزائد عن حاجات هذه الغريزة أثر بخلق في النفس مذموم هو الجبن.

أما الإقدام الذي لا يصل إلى حدّ التهور فهو أثر لخلق في النفس محمود هو الشجاعة، وهكذا سائر الغرائز والدوافع النفسية التي لا تدخل في باب الأخلاق؛ إنما يميزها عن الأخلاق كون آثارها في السلوك أمورًا طبيعية ليست مما تُحمد إرادة الإنسان عليه أو تذم، والعبادات الإسلامية كلها تدعو إلى مكارم الأخلاق؛ فالصلاة تدعو إلى حسن الخلق، وتدعو صاحبها إلى البعد والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ فلا صلاة له قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} (الكهف: 27)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015