أصبحا خرج الخارج من الأرض مثل الذي كان يخرج من الطعام، ومثليه معه فأكلوا حتى شبعوا، ثم دخل فخرج إليهم بشراب في إناء مثل الذي كان يخرج به كل يوم، ومثليه معه -يعني: خرج برزقهم- فشربوا حتى رُوُوا، ثم دخل والتأمت الأرض قال: فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال: ما يعجلنا، هذا طعام وشراب وقد علمنا سمتنا من الأرض، امكث إلى العشاء، فمكثا، فخرج إليه من الطعام والشراب مثل الذي خرج أول النهار، فقال أحدهما لصاحبه: امكث بنا حتى نُصبح، فمكثا فلما أصبح خرج إليهما مثل ذلك، ثم ركبا فانطلقا، فأما أحدهما فلزم باب الملك حتى كان من خاصته، ومن سُمَّاره. وأما الآخر فأقبل على تجارته وعمله، وكان ذلك الملك لا يكذب أحدٌ في زمانه من أهل مملكته كذبةً يُعرف بها إلا صلبه، فبينما هم ذات ليلة في السمر يُحدِّثونه بما رأوا من العجائب أنشأ ذلك الرجل يُحدّث فقال: ألا أحدثك أيها الملك بحديث ما سمعت أعجب منه قط، فحدَّث بحديث ذلك الرجل الذي رأى من أمره قال: الملك ما سمعت بكذب قط أعظم من هذا، والله لتأتينِّي على ما قلت ببينه أو لأصلبنك.
قال: بيِّنتي فلان، قال: رضاء ائتوني به، فلما أتوه قال الملك: إن هذا يزعم أنكما مررتما برجل، ثم كان من أمره كذا وكذا، قال الرجل: أيها الملك أولست تعلم أن هذا كذب وهذا ما لا يكون، ولو أني حدثتك بهذا؛ لكان عليك من الحق أن تصلبني عليه، قال: صدقت وبررت فأدخل الرجل الذي كتم عليه في خاصته، ومن سُمَّاره، وأمر بالآخر فصُلب فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "فأما الذي كتم عليه منهما فقد أكرمه الله في الدنيا والآخر، وأما الذي أظهر عليه منهما فقد أهانه الله في الدنيا وهو مهينه في الآخرة، ثم نظر بكر بن عبد الله بن أنس فقال: يا أبا المثنى سمعت جدَّك يُحدّث هذا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم))، رواه