حديث أنسٍ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بين يديْ الساعة سنون خدَّاعة، يُتَّهَمُ فيها الأمين، ويؤتمن فيها المتهم، وينطق فيها الرويبضة، قالوا: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: السفيه ينطقُ في أمرِ العامة)) وفي رواية: ((الفاسق يتكلم في أمر العامة)) وفي رواية للإمام أحمد: ((إن بين يدي الدجال سنين خداعة، يُصَدَّقُ فيها الكاذبُ، ويكَذَّبُ فِيهَا الصادق، ويخَوُّنُ فيها الأمينُ ويؤتمَنُ فيهَا الخائن)) وذكر باقي الحديث.
ومضمون ما ذكر من أشراط الساعة في هذا الحديث يرجع إلى أن الأمور توسد إلى غير أهلها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله عن الساعة: ((إذا وُسِّدَ الأمرُ إلى غير أهلِهِ؛ فانتظر الساعة)) فإنَّهُ إذا صار الحفاة العراة رعاء الشاء، وهم أهلُ الجهلِ، والجفاء رؤوس الناس، وأصحاب الثروة، والأموال حتى يتطاولوا في البنيان، فإنه يفسد بذلك نظامُ الدين والدنيا، فإنه إذا رأس الناس من كان فقيرًا عائلًا، فصار ملكًا على الناس سواء كان ملكه عامًّا أو خاصًّا في بعض الأشياء، فإنه لا يكاد يعطي الناس حقوقهم، بل يستأثر عليهم بما استولى عليه من المال.
فقد قال بعض السلف: لأن تمد يدك إلى فم التنين فيقضمها خيرٌ لك من أن تمدها إلى يد غنيٍّ قد عَالَجَ الفقْرَ، وإذا كان مع هذا جاهلًا جافيًا فسد بذلك الدين؛ لأنه لا يكون له همة في إصلاح دين الناس، ولا تعليمهم بل همته في جبايةِ المَالِ واكتنازه، ولا يبالي بما فسد من دين الناس، ولا بمن ضاع من أهل حاجاتهم.
وفي حديث آخر: ((لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها))، وإذا صار ملوك الناس ورؤوسهم على هذه الحال انعكست سائر الأحوال فصدق الكاذب، وكذب الصادق، واؤتمن الخائن، وخون الأمين، وتكلم الجاهل، وسكتَ العَالِمُ، أو عدم بالكلية، كما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: