وذكر الرئيس أبو الحسن محمد بن علي بن نصر الكاتب في كتاب: «المفاوضة»:

حدثني أبو الفرج عبد الواحد بن نصر الببغاء قال: وأذكر ليلة، وقد استدعي سيف الدولة بدرة، فشقها بسكين الدواة، فمدّ ابن خالويه جانب طيلسانه، وكان صوفا أزرق فحثا فيه سيف الدولة شيئا صالحا، ومددت ذيل درّاعتي وكانت ديباجا، فحثا إليّ فيها، وأبو الطيّب حاضر، وسيف الدولة ينتظر منه أن يفعل مثل فعلنا، أو يطلب شيئا منها، فما فعل، فغاظه ذلك، فنثرها كلها، فلما رأى المتنبي أنها قد فاتته زاحم الغلمان يلتقط معهم، فغمزهم عليه سيف الدولة، فداسوه وركبوه، وصارت عمامته وطرطوره في عنقه، واستحيا، ومضت له ليلة عظيمة، وانصرف.

وخاطب أبو عبد الله بن خالويه سيف الدولة في ذلك، فقال: ما يتعاظم تلك العظمة، ويتضع إلى مثل هذه المنزلة إلّا لحماقته. (?)

3 - ابن جنّي:

أبو الفتح عثمان بن جنّى النحوي من معاصري ابن خالويه، فقد توفي ابن جنى سنة 392 هـ.، على حين توفي ابن خالويه 370 هـ. (?) وقد تتلمذ ابن جنى على أبي علي الفارسيّ، وصحبه أربعين سنة. وكان سبب صحبته إياه أن أبا علي الفارسي سافر إلى (الموصل)، فدخل الجامع، فوجد أبا الفتح عثمان بن جنى يقرأ النحو، وهو شاب، وكان بين يديه متعلّم، وهو يكلّمه في قلب الواو ألفا، نحو: قام، وقال، فاعترض عليه أبو علي فوجده مقصّرا، فقال له أبو علي: زبّبت قبل أن تحصرم، ثم قام أبو علي ولم يعرفه ابن جني، وسأل عنه، فقيل له: هو أبو علي الفارسي النحوي فأخذ في طلبه، وصاحبه إلى أن مات أبو علي وخلفه ابن جنّى ودرس النحو ببغداد بعده، وأخذ عنه. (?)

والذي يعنيني من هذه المعاصرة أن ابن جنّي تتلمذ على أبي علي الفارسي، وأن ابن خالويه تتلمذ على أبي سعيد السيرافي. والشيخان رأسان في عصرهما، عاشا في مجال النحو واللغة يبدعان ما شاء لهما الإبداع، ولكنهما افترقا في المنهج والطريقة. وقد أثرت هذه التفرقة في نفس تلميذيهما، فسارا على الدرب، وسلكا نفس المنهج. فالفارسي وتلميذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015