لا يخفى على من كان يعرفني ويعرفه كعليّ بن الورّاق، ومحمد بن أحمد بن يونس، ومن كان يطلب هذا الشأن من بني الأزرق الكتّاب وغيرهم. وكذلك كثير من الفرس الذين كانوا يرونه يغشاني في (صف شوينز) كعبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، لأنه كان جاري بيت بيت قبل أن يموت الحسن بن جعفر أخوه، فينتقل إلى داره التي ورثها عنه في درب الزعفراني» (?).

وإنّي حرصت على تسجيل هذا الجزء من هذه الرسالة، ليكون مثالا واضحا يدلّ على مدى التّنافس الكبير الذي كان بين الرجلين، ليظفر كلّ منهما بقلب سيف الدولة من ناحية، وازدهار هذا العصر في مجالات اللغة والنحو من ناحية أخرى.

2 - المتنبي:

لم يكن أبو الطّيّب أحمد بن الحسين الجعفي شاعرا يملأ الدنيا بأشعاره، وتسمع كلماته من به صمم فحسب، بل كان لغويا نحويّا متضلّعا، يدلّ على ذلك أن أبا الطيب «اجتمع هو وأبو علي الفارسيّ، فقال له أبو علي: كم جاء من الجمع على وزن فعلي؟ (بكسر الفاء) فقال المتنبي: حجلى وظربى، جمع: حجل وظربان. قال أبو علي: فسهرت تلك الليلة ألتمس لهما ثالثا فلم أجد. وقال في حقه: ما رأيت رجلا في معناه مثله» (?).

اتصل المتني بسيف الدولة يمدحه، ويكثر من المدح فيه، وكانت بينه وبين ابن خالويه في مجلس سيف الدولة مناقشات توضح مدى التنافس بين الرجلين.

يحكى أنه لما أنشد سيف الدولة بن حمدان قوله في مطلع بعض قصائده:

وفاؤكما كالزبع أشجاه طاسمه.

كان هناك ابن خالويه، فقال له: يا أبا الطيّب: إنما يقال: شجاه- توهّمه فعلا ماضيا- فقال أبو الطيّب: اسكت فما وصل الأمر إليك. (?)

وقال له ابن خالويه النحوي يوما في مجلس سيف الدولة: لولا أن أخي جاهل لما رضي أن يدعي بالمتنبي، لأن معنى المتنبي. كاذب، ومن رضي أن يدعي بالكذب فهو جاهل فقال:

لست أرضى أن أدعي بذلك، وإنما يدعوني به من يريد الغض مني، ولست أقدر على المنع. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015