يكثران من المنطق والعلة. وأبو سعيد وتلميذه لا يحفلان بأهمية المنطق، ولا يعيران التعليل النحوي هذا الاهتمام البالغ، وإنما يحفلان بالرواية، والأثر، والسماع، وما نقل عن العرب يدلّ على ذلك قول بعض الأدباء في رءوس النحو الثلاثة الفارسي، والرمّاني، والسيرافي:
«كنّا نحضر عند ثلاثة مشايخ من النحويين، فمنهم من لا نفهم من كلامه شيئا، ومنهم من نفهم بعض كلامه دون البعض، ومنهم من نفهم جميع كلامه، فأمّا من لا نفهم من كلامه شيئا، فأبو الحسن الرمّاني، وأمّا من نفهم بعض كلامه دون البعض فأبو علي الفارسيّ، وأمّا من نفهم جميع كلامه فأبو سعيد السّيرافيّ» (?).
هذا، وقد كان بلاط سيف الدولة يشهد في كل المجالس العلميّة والأدبيّة التي تعقد فيه مناظرات عديدة بين الفارسيّ وابن خالويه من ناحية، وبين ابن خالويه والمتنبي من ناحية أخرى ... وكان ابن جنى يشهد هذه المجالس، وتوثقت صلته بالمتنبي حتى قال فيه المتنبي:
«هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس»، وهذا التقدير الأدبي من جانب المتنبي جعل ابن جنى يشرح ديوانه شرحا كما يقول المرحوم الأستاذ أحمد أمين: «استفاد منه كلّ من شرح الديوان بعده لاتصاله بالمتنبي، ومعرفته بظروف شعره التي كثيرا ما تحدّد المعنى، وتمنع التأويلات». (?)
وكما توثقت الصلة بين ابن جنّى العالم النحوي وبين المتنبي الشاعر، كذلك توثقت الصلة بين ابن خالويه العالم النحوي وبين الشاعر أبي فراس الحمداني الذي كان الرواية الوحيد لشعره وديوانه. وقد صوّر هذه المنافسة المرحوم أحمد أمين حيث قال ما نصه:
«فكان في القصر- يقصد قصر سيف الدولة- حزبان، حزب للمتنبي منه ابن جنّى النحوي، وحزب عليه، منه ابن خالويه اللغوي وأبو فراس الشاعر» (?).
ابن خالويه كانت له قدم راسخة في الدراسات اللغوية، فقد تتلمذ على ابن دريد- كما ذكرنا- وابن دريد له في اللغة كتاب «الجمهرة» وهو كتاب ثمين عرف قيمته أولو العلم، ورجالات الأدب منذ تأليفه، فأبو علي القالي كان يملك نسخة من «الجمهرة» بخط مؤلفها، وكان قد أعطى بها ثلاثمائة مثقال فأبى، فاشتدت