وأمكن لأبي علي الفارسي أن ينجح فيما قصر فيه محمد بن السّريّ فألف كتابه:

«الحجة» في الاحتجاج بالقراءات.

وكتاب الحجة بين أيدينا مخطوطا حيث تضم دار الكتب والمكتبة الأزهرية نسخا منه، ومطبوعا منه الجزء الأول الذي قام بتحقيقه أستاذنا علي النجدي، والمرحوم الدكتور النجار والدكتور عبد الفتاح شلبي، وهم في هذا التحقيق قدّموا جهدا جبّارا يتناسب مع هذا العمل الخالد.

وبمقارنة كتاب الحجة للفارسي بكتاب الحجة لابن خالويه نتبيّن اختلاف المنهجين، وتباين الطريقتين:

فأبو علي في حجته يغوص إلى الأعماق، فمن لم يكن ذا مقدرة على الغوص، لا يستطيع أن يتابع الفارسي، ولا يستطيع أن يصل إلى الجوهر المنشود، فكثرة الاستطرادات، وضخامة التعليلات، قد تحول بينه وبين ما يريد.

ومن هنا كان كتاب الحجة للفارسي كتابا لا يفهمه إلّا القلة. ولا تهضمه إلّا فئة خاصة تسلحت بما تسلح به أبو علي من عقلية منطقية، تؤمن بالقياس، وتجري وراء العلّة.

وحتى في عصره، عصر الازدهار الفكري، عصر المنطق والجدل، عصر المناظرات التي كانت تتعدّد حلقاتها في بلاط الأمراء، لم يلق هذا الكتاب قبولا حسنا، ولم يصادف في نفوس معاصريه التقدير اللازم لهذا الجهد المبذول فيه:

ويكفينا في هذا المقام شهادة تلميذه ابن جني في ذلك وهي شهادة على النفس؛ لأن أبا علي من ابن جني بمثابة الروح من الجسد.

يقول ابن جني في كتاب: «المحتسب» ما نصه: «فإن أبا علي رحمه الله عمل كتاب الحجة في القراءات فتجاوز فيه قدر حاجة القراء إلى ما يجفو عنه كثير من العلماء» (?).

ويقول في موضع آخر عند تعرضه لقوله تعالى في سورة الأنعام: تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ (?).

«وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة، في قراءة السبعة، فأغمضه وأطاله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015