فَاحْتَجت إِلَى أَن يُعِيدهُ عَليّ.
قَالَ:
وَيَنْبَغِي لِلدَّارِسِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ فِي دَرْسِهِ حَتَّى يُسْمِعَ نَفْسَهُ، فَإِنَّ مَا سَمِعَتْهُ الأُذُنُ رَسَخَ فِي الْقَلْبِ، وَلِهَذَا كَانَ الإِنْسَانُ أَوْعَى لِمَا يَسْمَعُهُ مِنْهُ لِمَا يَقْرَأُهُ.
وَإِذَا كَانَ المدروس مِمَّا يفسح طَرِيق الْفَصَاحَةِ، وَرَفَعَ بِهِ الدَّارِسُ صَوْتَهُ، زَادَتْ فَصَاحَتُهُ.
وَحُكِيَ لِي عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ فِي بَعْضِ قُرَى النَّبَطِ فَتًى فَصِيحَ اللَّهْجَةِ، حَسَنَ الْبَيَانِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ سَبَبِ فَصَاحَتِهِ مَعَ لُكْنَةِ أَهْلِ جِلْدَتِهِ، فَقَالَ: كُنْتُ أَعَمِدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلَى خَمْسِينَ وَرَقَةً مِنْ كتب الجاحظ، فأرفع بهَا صوتي فِي قِرَاءَتِهَا، فَمَا مَرَّ لِي إِلا زَمَانٌ قَصِيرٌ حَتَّى صِرْتُ إِلَى مَا تَرَى.
وَحُكِيَ لِي عَنْ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لأَصْحَابه: إِذا درستم فارفعوا أَصْوَاتكُم، فَإِنَّهُ أثت لِلْحِفْظِ وَأَذْهَبُ لِلنَّوْمِ.
وَكَانَ يَقُولُ: الْقِرَاءَةُ الْخَفِيَّةُ لِلْفَهْمِ، وَالرَّفِيعَةُ لِلْحِفْظِ وَالْفَهْمِ.
وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَأُ الْكِتَابَ ثُمَّ يُذَاكِرُ بِهِ حَرْفًا حَرْفًا، كَانَ قَارِئًا يقرأه عَلَيْهِ