وَالصَّلَاةِ فِيهِ، وَبُلْغَارُ -بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي آخِرِهِ -أَقْصَى بِلَادِ التُّرْكِ.
وَذَكَرَ لِي بَعْضُهُمْ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَرَبَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ هَاهُنَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَارَ يَمْشِي قَلِيلًا ثُمَّ تَطْلُعُ الشَّمْسُ. وَبِهَذَا الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ تَرَدُّدٍ أَبْدَاهُ القرافي فِي قَوْمٍ لَا تَغِيبُ الشَّمْسُ عِنْدَهُمْ إِلَّا مِقْدَارَ الصَّلَاةِ، فَهَلْ يَشْتَغِلُونَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَوْ بِالْأَكْلِ حَتَّى يَقْوَوْا عَلَى صَوْمِ الْغَدِ إِذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ؟ وَإِذَا عَلِمْتَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ اللَّيْلَ يَقْصُرُ عِنْدَ قَوْمٍ وَيَطُولُ عِنْدَ آخَرِينَ ظَهَرَ لَكَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْوَارِدَةِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: " «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَذْهَبُ ثُلُثُ اللَّيْلِ» " - وَفِي رِوَايَةٍ: " «حِينَ يَذْهَبُ نِصْفَ اللَّيْلِ» " وَيَقُولُ: " «هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ؟» " الْحَدِيثَ. وَكَذَا أَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْجَوَابِ، وَهُوَ أَنَّ نُزُولَ الْمَلِكِ يَكُونُ دَائِمًا نِصْفَ اللَّيْلِ، قَالَ: وَنِصْفُ اللَّيْلِ يَكُونُ نِصْفًا عِنْدَ قَوْمٍ وَثُلُثًا عِنْدَ آخَرِينَ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَحْدَثَتْ فِي الْعَالَمِ حَرَكَةً بِطَبْعِهَا وَحَرَارَتِهَا، فَلَا يَبْقَى حَيَوَانٌ نَائِمٌ إِلَّا وَتَحَرَّكَ ; لِأَنَّهَا تَقْرُبُ مِنَ الْأَرْضِ، فَإِذَا تَحَرَّكَ اسْتَيْقَظَ فِي الْغَالِبِ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ تَلَقَّاهُ الْمُنَادِي وَنَشَّطَهُ إِلَى الْقِيَامِ إِلَى الطَّاعَةِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ طَالِبِ حَاجَةٍ؟ . فَهَذِهِ أَسْرَارٌ غَرِيبَةٌ وَمَعَانٍ لَطِيفَةٌ، فَسُبْحَانَ مَنْ هَذَا عَطَاؤُهُ، وَجَلَّ مَنْ هَذَا قَضَاؤُهُ.
قُلْتُ: الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَهَابِ الشَّمْسِ بَعْدَ غُرُوبِهَا ; فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ «عَنْ أبي ذر قَالَ: " كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: يَا أبا ذر، تَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] » . وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ: " «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَنْتَهِيَ تَحْتَ الْعَرْشِ عِنْدَ رَبِّهَا، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا وَتُطْلَبَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا: اطْلُعِي مِنْ مَكَانِكِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] » " وَأَخْرَجَ عبد الرزاق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] قَالَ: مُسْتَقَرُّهَا أَنْ تَطْلُعَ، فَتَرُدَّهَا ذُنُوبُ بَنِي آدَمَ، فَإِذَا غَرَبَتْ سَلَّمَتْ وَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ، فَيُؤْذَنُ لَهَا، حَتَّى إِذَا غَرَبَتْ سَلَّمَتْ وَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ، فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا، فَتَقُولُ: إِنِ السَّيْرَ بَعِيدٌ، وَإِنِّي إِنْ لَا يُؤْذَنْ لِي لَا أَبْلُغُ، فَتُحْبَسُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُقَالُ: اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ غَرَبْتِ.