قَالَ الحافظ ابن حجر فِي " شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ": لَا تَخَالُفَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ نِهَايَةُ مَدْرَكِ الْبَصَرِ إِلَيْهَا حَالَ الْغُرُوبِ، وَسُجُودُهَا تَحْتَ الْعَرْشِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَقَالَ الخطابي: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِاسْتِقْرَارِهَا تَحْتَ الْعَرْشِ أَنَّهَا تَسْتَقِرُّ تَحْتَهُ اسْتِقْرَارًا لَا نُحِيطُ بِهِ نَحْنُ، وَلَيْسَ فِي سُجُودِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ مَا يُعِيقُ عَنْ دَوَرَانِهَا فِي سَيْرِهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وأبو الشيخ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الشَّمْسُ بِمَنْزِلَةِ السَّاقِيَةِ تَجْرِي بِالنَّهَارِ فِي السَّمَاءِ فِي فَلَكِهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ جَرَتِ اللَّيْلَ فِي فَلَكِهَا تَحْتَ الْأَرْضِ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْ مَشْرِقِهَا، وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ دَارَتْ فِي فَلَكِ السَّمَاءِ مِمَّا يَلِي دُبُرَ الْقِبْلَةِ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى الْمَشْرِقِ الَّذِي تَطْلُعُ مِنْهُ، وَتَجْرِي فِي السَّمَاءِ مِنْ شَرْقِهَا إِلَى غَرْبِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الْأُفُقِ مِمَّا يَلِي دُبُرَ الْقِبْلَةِ إِلَى شَرْقِهَا، كَذَلِكَ هِيَ مُسَخَّرَةٌ فِي فَلَكِهَا، وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عكرمة قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَرَبَتْ دَخَلَتْ بَحْرًا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتُسَبِّحُ اللَّهَ، حَتَّى إِذَا هِيَ أَصْبَحَتِ اسْتَعْفَتْ رَبَّهَا مِنَ الْخُرُوجِ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: إِنِّي إِذَا خَرَجْتُ عُبِدْتُ مِنْ دُونِكَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَرَبَتْ رُفِعَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فِي سُرْعَةِ طَيَرَانِ الْمَلَائِكَةِ، وَتُحْبَسُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنُ مِنْ أَيْنَ تُؤْمَرُ بِالطُّلُوعِ، ثُمَّ يُنْطَلَقُ بِهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَبَيْنَ أَسْفَلِ دَرَجَاتِ الْجِنَانِ فِي سُرْعَةِ طَيَرَانِ الْمَلَائِكَةِ، فَتَنْحَدِرُ حِيَالَ الْمَشْرِقِ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى هَذِهِ السَّمَاءِ فَذَلِكَ حِينَ يَنْفَجِرُ الصُّبْحُ، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنَ السَّمَاءِ فَذَلِكَ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ. وَأَخْرَجَ ابن عساكر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، «أَنَّ خزيمة بن حكيم السلمي سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَرِّ الْمَاءِ فِي الشِّتَاءِ وَبَرْدِهِ فِي الصَّيْفِ، فَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ إِذَا سَقَطَتْ تَحْتَ الْأَرْضِ سَارَتْ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْ مَكَانِهَا، فَإِذَا طَالَ اللَّيْلُ فِي الشِّتَاءِ كَثُرَ لُبْثُهَا فِي الْأَرْضِ، فَيَسْخَنُ الْمَاءُ لِذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ مَرَّتْ مُسْرِعَةً لَا تَلْبَثُ تَحْتَ الْأَرْضِ ; لِقِصَرِ اللَّيْلِ، فَثَبَتَ الْمَاءُ عَلَى حَالِهِ بَارِدًا» .
هَذَا مَجْمُوعُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ التَّاسِعُ عَشَرَ: فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ «أَنَّ الشَّمْسَ عَلَى قَدْرِ الدُّنْيَا