الحاوي للفتاوي (صفحة 838)

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} [الإسراء: 12] قَالَ: وَالَّذِي رَأَيْتَ هُوَ الْمَحْوُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وابن مردويه بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ شَمْسَيْنِ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ، فَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَدَعُهَا شَمْسًا فَإِنَّهُ خَلَقَهَا مِثْلَ الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِهَا مَا بَيْنَ مَشَارِقِهَا وَمَغَارِبِهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَطْمِسُهَا وَيَجْعَلُهَا قَمَرًا، فَإِنَّهُ خَلَقَهَا دُونَ الشَّمْسِ فِي الْعِظَمِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يُرَى صِغَرُهَا لِشِدَّةِ ارْتِفَاعِ السَّمَاءِ وَبُعْدِهَا مِنَ الْأَرْضِ، فَلَوْ تَرَكَ الشَّمْسَ كَمَا كَانَ خَلَقَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ لَمْ يُعْرَفِ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ وَلَا النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ، وَلَمْ يَدْرِ الصَّائِمُ مَتَى يَصُومُ وَمَتَى يُفْطِرُ، وَلَمْ يَدْرِ الْمُسْلِمُونَ مَتَى وَقْتُ حَجِّهِمْ وَكَيْفَ عَدَدُ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ وَالْحِسَابِ، فَأَرْسَلَ جِبْرِيلَ فَأَمَرَّ جَنَاحَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ -وَهُوَ يَوْمَئِذٍ شَمْسٌ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَطَمَسَ عَنْهُ الضَّوْءَ وَبَقِيَ فِيهِ النُّورُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} [الإسراء: 12] » وَأَخْرَجَ عبد الرزاق فِي " الْمُصَنَّفِ " عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَتَبَ هرقل إِلَى معاوية يَسْأَلُهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَيُّ مَكَانٍ إِذَا صَلَّيْتَ فِيهِ ظَنَنْتَ أَنَّكَ لَمْ تُصَلِّ إِلَى قِبْلَةٍ، وَأَيُّ مَكَانٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ مَرَّةً لَمْ تَطْلُعْ فِيهِ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، وَعَنِ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ، فَأَرْسَلَ معاوية إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا الْمَكَانُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ظَهْرُ الْكَعْبَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْبَحْرُ حِينَ فَرَقَهُ اللَّهُ لِمُوسَى، وَأَمَّا السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ فَهُوَ الْمَحْوُ.

وَأَمَّا السُّؤَالُ السَّابِعُ عَشَرَ، وَالثَّامِنُ عَشَرَ: فَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " الشَّمْسُ إِذَا غَرَبَتْ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ فِي " شَرْحِ الرِّسَالَةِ ": اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ يَبْتَلِعُهَا حُوتٌ، وَقِيلَ: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَمْأَةُ -بِالْهَمْزِ- ذَاتُ حَمْأَةٍ وَطِينٍ، وَقُرِئَتْ " حَامِيَةٍ " بِغَيْرِ هَمْزٍ، أَيْ حَارَّةٍ سَاخِنَةٍ. قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ: وَقِيلَ: إِنَّهَا تَطْلُعُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ وَتَقُولَ: يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمًا يَعْصُونَكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَطْلُعَ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَإِذَا نَزَلَتْ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا طَلَعَ الْفَجْرُ حِينَئِذٍ. وَقَالَ إمام الحرمين وَغَيْرُهُ: لَا خِلَافَ أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ عِنْدَ قَوْمٍ وَتَطْلُعُ عَلَى آخَرِينَ، وَاللَّيْلَ يَطُولُ عِنْدَ قَوْمٍ وَيَقْصُرُ عِنْدَ آخَرِينَ، وَعِنْدَ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ يَكُونُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مُسْتَوِيَيْنِ أَبَدًا. وَسُئِلَ الشَّيْخُ أبو حامد عَنْ بِلَادِ بُلْغَارَ كَيْفَ يُصَلُّونَ؟ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الشَّمْسَ لَا تَغْرُبُ عِنْدَهُمْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ ثُمَّ تَطْلُعُ، فَقَالَ: يُعْتَبَرُ صَوْمُهُمْ وَصَلَاتُهُمْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِمْ، وَالْأَحْسَنُ -وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ -أَنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ ذَلِكَ وَيَعْتَبِرُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ الدجال الَّذِي كَسَنَةٍ وَكَشَهْرٍ: (قَدِّرُوا لَهُ) حِينَ سَأَلَهُ الصَّحَابَةُ عَنِ الصَّوْمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015