الحاوي للفتاوي (صفحة 748)

والسهيلي، والقرطبي، والمحب الطبري، وَالْعَلَّامَةُ ناصر الدين بن المنير، وَغَيْرُهُمْ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ ابن شاهين فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ، كِلَاهُمَا فِي غَرَائِبِ مالك بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عائشة قَالَتْ: «حَجَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَمَرَّ بِي عَلَى عَقَبَةٍ بِالْحَجُونِ وَهُوَ بَاكٍ حَزِينٌ مُغْتَمٌّ، فَنَزَلَ فَمَكَثَ عَنِّي طَوِيلًا ثُمَّ عَادَ إِلَيَّ وَهُوَ فَرِحٌ مُبْتَسِمٌ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: ذَهَبْتُ لِقَبْرِ أُمِّي فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُحْيِيَهَا فَأَحْيَاهَا فَآمَنَتْ بِي وَرَدَّهَا اللَّهُ» . هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ، بَلْ قِيلَ: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ، لَكِنَّ الصَّوَابَ ضَعْفُهُ لَا وَضْعُهُ، وَقَدْ أَلَّفْتُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ جُزْءًا مُفْرَدًا، وَأَوْرَدَ السهيلي فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ بِسَنَدٍ قَالَ أَنَّ فِيهِ مَجْهُولِينَ عَنْ عائشة «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُحْيِيَ أَبَوَيْهِ فَأَحْيَاهُمَا لَهُ فَآمَنَا بِهِ ثُمَّ أَمَاتَهُمَا» ، وَقَالَ السهيلي بَعْدَ إِيرَادِهِ: اللَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَلَيْسَ تَعْجَزُ رَحْمَتُهُ وَقُدْرَتُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَنَبِيُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلٌ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا شَاءَ مِنْ فَضْلِهِ وَيُنْعِمُ عَلَيْهِ بِمَا شَاءَ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَقَالَ القرطبي: لَا تَعَارُضَ بَيْنَ حَدِيثِ الْإِحْيَاءِ وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ، فَإِنَّ إِحْيَاءَهُمَا مُتَأَخِّرٌ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُمَا بِدَلِيلِ حَدِيثِ عائشة أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ ابن شاهين نَاسِخًا لِمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ناصر الدين بن المنير المالكي فِي كِتَابِ " الْمُقْتَفَى فِي شَرَفِ الْمُصْطَفَى ": قَدْ وَقَعَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْيَاءُ الْمَوْتَى نَظِيرَ مَا وَقَعَ لِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مُنِعَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ دَعَا اللَّهَ أَنْ يُحْيِيَ لَهُ أَبَوَيْهِ، فَأَحْيَاهُمَا لَهُ فَآمَنَا بِهِ وَصَدَّقَا وَمَاتَا مُؤْمِنَيْنِ، وَقَالَ القرطبي: فَضَائِلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَزَلْ تَتَوَالَى وَتَتَتَابَعُ إِلَى حِينِ مَمَاتِهِ، فَيَكُونُ هَذَا مِمَّا فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ وَأَكْرَمَهُ، قَالَ: وَلَيْسَ إِحْيَاؤُهُمَا وَإِيمَانُهُمَا بِهِ يَمْتَنِعُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ إِحْيَاءُ قَتِيلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِخْبَارُهُ بِقَاتِلِهِ، وَكَانَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُحْيِي الْمَوْتَى، وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحْيَا اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ جَمَاعَةً مِنَ الْمَوْتَى، قَالَ: وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَا يَمْتَنِعُ مِنْ إِيمَانِهِمَا بَعْدَ إِحْيَائِهِمَا زِيَادَةَ كَرَامَةٍ فِي فَضِيلَتِهِ، وَقَالَ الْحَافِظُ فتح الدين بن سيد الناس فِي سِيرَتِهِ بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّةِ الْإِحْيَاءِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي التَّعْذِيبِ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ رَاقِيًا فِي الْمَقَامَاتِ السَّنِيَّةِ صَاعِدًا فِي الدَّرَجَاتِ الْعَلِيَّةِ إِلَى أَنْ قَبَضَ اللَّهُ رُوحَهُ الطَّاهِرَةَ إِلَيْهِ وَأَزْلَفَهُ بِمَا خَصَّهُ بِهِ لَدَيْهِ مِنَ الْكَرَامَةِ حِينَ الْقُدُومِ عَلَيْهِ، فَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ دَرَجَةً حَصَلَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَأَنْ يَكُونَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِيمَانُ مُتَأَخِّرًا عَنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ فَلَا تَعَارُضَ. انْتَهَى،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015