وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، فَقَالَ بَعْدَ إِيرَادِهِ خَبَرَ حليمة وَمَا أَسْدَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهَا حِينَ قُدُومِهَا عَلَيْهِ:
هَذَا جَزَاءُ الْأُمِّ عَنْ إِرْضَاعِهِ ... لَكِنَّ جَزَاءَ اللَّهِ عَنْهُ عَظِيمُ
وَكَذَاكَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ لِأُمِّهِ ... عَنْ ذَاكَ آمِنَةَ يَدٌ وَنَعِيمُ
وَيَكُونُ أَحْيَاهَا الْإِلَهُ وَآمَنَتْ ... بِمُحَمَّدٍ فَحَدِيثُهَا مَعْلُومُ
فَلَرُبَّمَا سَعِدَتْ بِهِ أَيْضًا كَمَا ... سَعِدَتْ بِهِ بَعْدَ الشَّقَاءِ حَلِيمُ
وَقَالَ الْحَافِظُ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى " مَوْرِدُ الصَّادِي فِي مَوْلِدِ الْهَادِي " بَعْدَ إِيرَادِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مُنْشِدًا لِنَفْسِهِ:
حَبَا اللَّهُ النَّبِيَّ مَزِيدَ فَضْلٍ ... عَلَى فَضْلٍ وَكَانَ بِهِ رَؤُوفَا
فَأَحْيَا أُمَّهُ وَكَذَا أَبَاهُ ... لِإِيمَانٍ بِهِ فَضْلًا لَطِيفَا
فَسَلِّمْ فَالْقَدِيمُ بِذَا قَدِيرٌ ... وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهِ ضَعِيفَا
خَاتِمَةٌ: وَجَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَمْ تَقْوَ عِنْدَهُمْ هَذِهِ الْمَسَالِكُ فَأَبْقَوْا حَدِيثَيْ مُسْلِمٍ وَنَحْوَهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا مِنْ غَيْرِ عُدُولٍ عَنْهَا بِدَعْوَى نَسْخٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ، قَالَ السهيلي فِي " الرَّوْضِ الْأُنُفِ " بَعْدَ إِيرَادِهِ حَدِيثَ مُسْلِمٍ: وَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ أَنْ نَقُولَ ذَلِكَ فِي أَبَوَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ: ( «لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ» ) وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 57] الْآيَةَ، وَسُئِلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: إِنْ أَبَا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّارِ، فَأَجَابَ بِأَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ مَلْعُونٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب: 57] قَالَ: وَلَا أَذًى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبِيهِ إِنَّهُ فِي النَّارِ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ ذَهَبَ إِلَى قَوْلٍ خَامِسٍ وَهُوَ الْوَقْفُ، قَالَ الشَّيْخُ تاج الدين الفاكهاني فِي كِتَابِهِ " الْفَجْرُ الْمُنِيرُ ": اللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ أَبَوَيْهِ، وَقَالَ الباجي فِي " شَرْحِ الْمُوَطَّأِ " قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلٍ مُبَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤْذَى بِمُبَاحٍ وَلَيْسَ لَنَا الْمَنْعُ مِنْهُ وَلَا يَأْثَمُ فَاعِلُ الْمُبَاحِ وَإِنْ وَصَلَ بِذَلِكَ أَذًى إِلَى غَيْرِهِ، قَالَ: وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إِذْ أَرَادَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ: «إِنَّمَا فاطمة بَضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي لَا أُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنَةُ