عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتِ الدِّيَةُ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ، وعبد المطلب أَوَّلُ مَنْ سَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، فَجَرَتْ فِي قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَنْضَمُّ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَسَبَ إِلَيْهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
وَهَذَا أَقْوَى مَا تَقْوَى بِهِ مَقَالَةُ الْإِمَامِ فخر الدين وَمَنْ وَافَقَهُ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي النَّهْيِ عَنِ الِانْتِسَابِ إِلَى الْآبَاءِ الْكُفَّارِ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ انْتَسَبَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، أَنَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ إِلَى تِسْعَةٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ ابْنِ الْإِسْلَامِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: هَذَانِ الْمُنْتَسِبَانِ، أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ فِي النَّارِ فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ فِي النَّارِ، وَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ) » وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ أبي ريحانة عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «مَنِ انْتَسَبَ إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ كُفَّارٍ يُرِيدُ بِهِمْ عِزًّا وَشَرَفًا فَهُوَ عَاشِرُهُمْ فِي النَّارِ» ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «لَا تَفْتَخِرُوا بِآبَائِكُمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَا يُدَحْدِحُ الْجُعَلُ بِأَنْفِهِ خَيْرٌ مِنْ آبَائِكُمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ» ) ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عَيْبَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِرِجَالٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ النَّتَنَ بِأَنْفِهَا» ) .
وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَوْرَدَ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ حَدِيثَ مُسْلِمٍ: ( «إِنَّ فِي أُمَّتِي أَرْبَعًا مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَيْسُوا بِتَارِكِيهِنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ» . . .) الْحَدِيثَ، وَقَالَ عقبة: فَإِنْ عُورِضَ هَذَا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اصْطِفَائِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَقَدْ قَالَ الحليمي: لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْفَخْرَ، إِنَّمَا أَرَادَ تَعْرِيفَ مَنَازِلِ الْمَذْكُورِينَ وَمَرَاتِبِهِمْ، كَرَجُلٍ يَقُولُ: كَانَ أَبِي فَقِيهًا، لَا يُرِيدُ بِهِ الْفَخْرَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ تَعْرِيفَ حَالِهِ دُونَ مَا عَدَاهُ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ أَرَادَ بِهِ الْإِشَارَةَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ وَآبَائِهِ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِطَالَةِ وَالْفَخْرِ فِي شَيْءٍ، انْتَهَى، فَقَوْلُهُ: أَرَادَ تَعْرِيفَ مَنَازِلِ الْمَذْكُورِينَ وَمَرَاتِبِهِمْ، أَوِ الْإِشَارَةَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ وَآبَائِهِ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ - فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَقَالَةِ الْإِمَامِ وَإِجْرَائِهَا عَلَى عُمُومِهَا كَمَا لَا يَخْفَى، إِذِ الِاصْطِفَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمَنْ هُوَ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّرْجِيحَ فِي عبد المطلب بِخُصُوصِهِ عَسِرٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ مُصَادِمٌ قَوِيٌّ، وَإِنْ أُخِذَ