لَا يُعْتَدُّ بِهِ، قَالَ السهيلي فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: وَفِي الصَّحِيحِ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ على أبي طالب عِنْدَ مَوْتِهِ وَعِنْدَهُ أبو جهل وابن أبي أمية، فَقَالَ: يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ أبو جهل وابن أبي أمية: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عبد المطلب؟ فَقَالَ: أَنَا عَلَى مِلَّةِ عبد المطلب» ) قَالَ: فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ عبد المطلب مَاتَ عَلَى الشِّرْكِ، قَالَ: وَوَجَدْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ المسعودي اخْتِلَافًا فِي عبد المطلب، وَأَنَّهُ قَدْ قِيلَ فِيهِ: مَاتَ مُسْلِمًا لَمَّا رَأَى مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُبْعَثُ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ، غَيْرَ أَنَّ فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارَ وَكِتَابِ النَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لفاطمة وَقَدْ عَزَّتْ قَوْمًا مِنَ الْأَنْصَارِ عَنْ مَيِّتِهِمْ: لَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى؟ فَقَالَتْ: لَا، فَقَالَ: لَوْ كُنْتِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ» ) قَالَ: وَقَدْ خَرَّجَهُ أبو داود، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: " «حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ» " قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ: جَدُّ أَبِيكِ، وَلَمْ يَقُلْ: جَدُّكِ، تَقْوِيَةٌ لِلْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ: أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَآمَنَا بِهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ تَخْوِيفَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقٌّ، وَبُلُوغَهَا مَعَهُمُ الْكُدَى لَا يُوجِبُ خُلُودًا فِي النَّارِ، هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ السهيلي بِحُرُوفِهِ.
وَقَالَ الشهرستاني فِي " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ ": ظَهَرَ نُورُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَسَارِيرِ عبد المطلب بَعْضَ الظُّهُورِ، وَبِبَرَكَةِ ذَلِكَ النُّورِ أُلْهِمَ النَّذْرَ فِي ذَبْحِ وَلَدِهِ، وَبِبَرَكَتِهِ كَانَ يَأْمُرُ وَلَدَهُ بِتَرْكِ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ دَنِيَّاتِ الْأُمُورِ، وَبِبَرَكَةِ ذَلِكَ النُّورِ كَانَ يَقُولُ فِي وَصَايَاهُ أَنَّهُ لَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا ظَلُومٌ حَتَّى يُنْتَقَمَ مِنْهُ وَتُصِيبَهُ عُقُوبَةٌ، إِلَى أَنْ هَلَكَ رَجُلٌ ظَلُومٌ لَمْ تُصِبْهُ عُقُوبَةٌ، فَقِيلَ لعبد المطلب فِي ذَلِكَ، فَفَكَّرَ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ وَرَاءَ هَذِهِ الدَّارِ دَارًا يُجْزَى فِيهَا الْمُحْسِنُ بِإِحْسَانِهِ وَيُعَاقَبُ فِيهَا الْمُسِيءُ بِإِسَاءَتِهِ، وَبِبَرَكَةِ ذَلِكَ النُّورِ قَالَ لِأَبْرَهَةَ: إِنَّ لِهَذَا الْبَيْتِ رَبًّا يَحْفَظُهُ، وَمِنْهُ قَالَ وَقَدْ صَعِدَ أبا قبيس:
لَاهُمَّ إِنِ الْمَرْءَ يَمْنَعُ ... رَحْلَهُ فَامْنَعْ رِحَالَكْ
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ يَوْمًا مِحَالَكْ
فَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِيبِ ... وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَكْ
انْتَهَى كَلَامُ الشهرستاني، وَيُنَاسِقُ مَا ذَكَرَهُ مَا أَخْرَجَهُ ابن سعد فِي طَبَقَاتِهِ عَنِ ابْنِ