الشعراني ثَنَا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ثَنَا عثمان بن قايد عَنْ يحيى بن طلحة بن عبيد الله عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «لَا تَسُبُّوا ربيعة وَلَا مضر فَإِنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ» ) وَأَخْرَجَ بِسَنَدِهِ عَنْ عائشة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «لَا تَسُبُّوا تميما وضبة فَإِنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ» ) وَأَخْرَجَ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا تَسُبُّوا قسا فَإِنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا» ) ثُمَّ قَالَ السهيلي: وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ( «لَا تَسُبُّوا إلياس فَإِنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا» ) ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ فِي صُلْبِهِ تَلْبِيَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ، قَالَ: وكعب بن لؤي أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهَا الْجُمْعَةَ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَيَخْطُبُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعَلِّمُهُمْ أَنَّهُ مِنْ وَلَدِهِ وَيَأْمُرُهُمْ بِاتِّبَاعِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَيُنْشِدُهُمْ فِي هَذَا أَبْيَاتًا، مِنْهَا قَوْلُهُ:
يَا لَيْتَنِي شَاهِدًا فحواء دَعْوَتِهِ ... إِذَا قُرَيْشٌ تَبْغِي الْحَقَّ خِذْلَانَا
. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ كعب فِي كِتَابِ " الْأَعْلَامِ " لَهُ، انْتَهَى.
قُلْتُ: هَذَا الْخَبَرُ أَخْرَجَهُ أبو نعيم فِي دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَفِي آخِرِهِ: وَكَانَ بَيْنَ مَوْتِ كعب وَمَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَالْمَاوَرْدِيُّ الْمَذْكُورُ هُوَ أَحَدُ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، لَهُ كِتَابُ " أَعْلَامُ النُّبُوَّةِ " فِي مُجَلَّدٍ كَثِيرِ الْفَوَائِدِ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ وَسَأَنْقُلُ مِنْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ.
فَحَصَلَ مِمَّا أَوْرَدْنَاهُ أَنَّ آبَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى كعب بن لؤي كَانُوا كُلُّهُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَوَلَدُ كعب مرة، الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ بِالْإِيمَانِ، وَبَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عبد المطلب أَرْبَعَةُ آبَاءٍ وَهُمْ: كلاب، وقصي، وعبد مناف، وهاشم، وَلَمْ أَظْفَرْ فِيهِمْ بِنَقْلٍ لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا.
وَأَمَّا عبد المطلب فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ الْأَشْبَهُ، أَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى لِأَجْلِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ عُمُومِ كَلَامِ الْإِمَامِ فخر الدين وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِمَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُ بَعْدَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى آمَنَ بِهِ وَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ، حَكَاهُ ابن سيد الناس، وَهَذَا أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ وَأَسْقَطُهَا وَأَوْهَاهَا؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرِدْ قَطُّ فِي حَدِيثٍ لَا ضَعِيفٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، إِنَّمَا حَكَوْهُ عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ غَالِبُ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَسَكَتُوا عَنْ حِكَايَةِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ خِلَافَ الشِّيعَةِ