فَقَالَ: {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [إبراهيم: 35] وَلَمْ يَدْعُ لِجَمِيعِ الْبَلَدِ بِذَلِكَ فَقَالَ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] فِيهِ، وَقَدْ خَصَّ أَهْلَهُ وَقَالَ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [إبراهيم: 37] فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الْجَوَابِ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَهُوَ شَيْخُ إِمَامِنَا الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40] أَخْرَجَ ابن المنذر عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40] قَالَ: فَلَنْ يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ نَاسٌ عَلَى الْفِطْرَةِ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، آيَةٌ رَابِعَةٌ: أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَتْ سارة لَمَّا بَشَّرَتْهَا الْمَلَائِكَةُ: {قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود: 72] فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تَرُدُّ عَلَى سارة: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73] قَالَ: فَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28] مُحَمَّدٌ وَآلُهُ مِنْ عَقِبِ إِبْرَاهِيمَ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابن حبيب فِي تَارِيخِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة وأسد عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ فَلَا تَذْكُرُوهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى أَرْمِيَا أَنِ اذْهَبْ إِلَى بخت نصر فَأَعْلِمْهُ أَنِّي قَدْ سَلَّطْتُهُ عَلَى الْعَرَبِ، وَأَمَرَ اللَّهُ أَرْمِيَا أَنْ يَحْتَمِلَ مَعَهُ معد بن عدنان عَلَى الْبُرَاقِ كَيْ لَا تُصِيبَهُ النِّقْمَةُ؛ فَإِنِّي مُسْتَخْرِجٌ مِنْ صُلْبِهِ نَبِيًّا كَرِيمًا أَخْتِمُ بِهِ الرُّسُلَ، فَفَعَلَ أَرْمِيَا ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ مَعَدَّ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ، فَنَشَأَ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ أَنْ هَدَأَتِ الْفِتَنُ، وَأَخْرَجَ ابن سعد فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ مُرْسَلِ عبد الله بن خالد قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «لَا تَسُبُّوا مضر فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ» ) وَقَالَ السهيلي فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ: «لَا تَسُبُّوا مضر وَلَا ربيعة فَإِنَّهُمَا كَانَا مُؤْمِنَيْنِ» .
قُلْتُ: وَقَفْتُ عَلَيْهِ مُسْنَدًا فَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفَ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بوكيع فِي كِتَابِ الْغُرَرِ مِنَ الْأَخْبَارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إسحاق بن داود بن عيسى المروزي ثَنَا أبو يعقوب