قَوْلِهِ: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28] قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالتَّوْحِيدُ، لَا يَزَالُ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يَقُولُهَا مِنْ بَعْدِهِ، وَقَالَ عبد الرزاق فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ معمر عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28] قَالَ: الْإِخْلَاصُ وَالتَّوْحِيدُ، لَا يَزَالُ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يُوَحِّدُ اللَّهَ وَيَعْبُدُهُ، أَخْرَجَهُ ابن المنذر ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي الْآيَةِ فِي عَقِبِ إِبْرَاهِيمَ: فَلَمْ يَزَلْ بَعْدُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ مَنْ يُوَحِّدُ اللَّهَ وَيَعْبُدُهُ، أَخْرَجَهُ ابن المنذر، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي الْآيَةِ فِي عَقِبِ إِبْرَاهِيمَ: فَلَمْ يَزَلْ بَعْدُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ مَنْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: وَقَوْلٌ آخَرُ: فَلَمْ يَزَلْ نَاسٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ عَلَى الْفِطْرَةِ يَعْبُدُونَ اللَّهَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْعَقِبُ وَلَدُهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَأَوْلَادُ الذُّكُورِ. وَأَخْرَجَ عَنْ عطاء قَالَ: الْعَقِبُ وَلَدُهُ وَعَصَبَتُهُ.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ دَعَوْتَهُ فِي وَلَدِهِ فَلَمْ يَعْبُدْ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهِ صَنَمًا بَعْدَ دَعْوَتِهِ، وَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَجَعَلَ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَرَزَقَ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ وَجَعَلَهُ إِمَامًا وَجَعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّ آدَمَ لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ اسْتَوْحَشَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي قِصَّةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ لِآدَمَ فِي حَقِّ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً وَاحِدًا قَانِتًا بِأَمْرِي دَاعِيًا إِلَى سَبِيلِي، أَجْتَبِيهِ وَأَهْدِيهِ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، أَسْتَجِيبُ دَعْوَتَهُ فِي وَلَدِهِ وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَأُشَفِّعُهُ فِيهِمْ وَأَجْعَلُهُمْ أَهْلَ ذَلِكَ الْبَيْتِ وَوُلَاتَهُ وَحُمَاتَهُ، الْحَدِيثَ.
هَذَا الْأَثَرُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مُجَاهِدٍ الْمَذْكُورِ آنِفًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْتِ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِأَجْدَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَنِ انْتَزَعَهَا مِنْهُمْ عمرو الخزاعي، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِمْ، فَعُرِفَ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ عَنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ سِلْسِلَةُ الْأَجْدَادِ الشَّرِيفَةِ الَّذِينَ خُصُّوا بِالِاصْطِفَاءِ، وَانْتَقَلَ إِلَيْهِمْ نُورُ النُّبُوَّةِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَهُمْ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونُوا هُمُ الْبَعْضُ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم: 40] وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ عَبَدَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ الْأَصْنَامَ، قَالَ: لَا، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35] قِيلَ: فَكَيْفَ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ إِسْحَاقَ وَسَائِرُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ دَعَا لِأَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ أَنْ لَا يَعْبُدُوا، إِذَا أَسْكَنَهُمْ إِيَّاهُ