الحاوي للفتاوي (صفحة 513)

يَدْرِي عَاقِبَتَهُ فَهُوَ بِالتَّعْزِيَةِ أَوْلَى مِنَ التَّهْنِئَةِ، وَجَاءَهُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ شَرَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَقِيلَ لَهُ: إِنْ شَرِبْتَهُ لَمْ تَمُتْ فَشَاوَرَ جُنْدَهُ إِلَّا الْقُنْفُذَ فَإِنَّهُ كَانَ غَائِبًا، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَشْرَبَهُ، فَأَرْسَلَ الْفَرَسَ خَلْفَ الْقُنْفُذِ فَلَمْ يُجِبْهَا، فَأَرْسَلَ الْكَلْبَ خَلْفَهَا فَأَجَابَهُ، فَسَأَلَهُ سُلَيْمَانُ عَنِ الشَّرَابِ فَقَالَ: لَا تَشْرَبْهُ فَإِنَّ الْمَوْتَ فِي عِزٍّ خَيْرٌ مِنَ الْبَقَاءِ فِي سِجْنِ الدُّنْيَا، قَالَ: صَدَقْتَ، فَأَرَاقَ الشَّرَابَ فِي الْبَحْرِ فَطَابَ مَاؤُهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَيْفَ أَطَعْتَ الْكَلْبَ دُونَ الْفَرَسِ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا تَعْدُو بِصَاحِبِهَا وَبِغَيْرِهِ، وَالْكَلْبُ لَا يُطِيعُ إِلَّا صَاحِبَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَحَبَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ ثَلَاثٌ» ".

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَمْطَرَ اللَّهُ عَلَى أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ؟ قِيلَ: جَعَلَهُ اللَّهُ عِوَضًا عَنِ الدُّودِ الَّذِي أَكَلَهُ، فَالْجَرَادُ خِلْعَةُ الطَّائِعِ وَعُقُوبَةُ الْعَاصِي ; لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنَ الذُّنُوبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرِيضَ تُلْقَى ذُنُوبُهُ فِي الْبَحْرِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ مِنْهَا التِّمْسَاحَ، فَإِذَا مَاتَ التِّمْسَاحُ صَارَ دُودًا ثُمَّ جَرَادًا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْأَدَبِ مِنْ كِتَابِ الْمَوْتِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ طِينَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الدُّنْيَا مِيرَاثُ الْغَرُورِ، وَمَسْكَنُ الْبَطَّالِينَ، وَسُوقُ الرَّاغِبِينَ، وَمَيْدَانُ الْفَاسِقِينَ، وَسِجْنُ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَزْبَلَةُ الْمُتَّقِينَ - زَادَ مُؤَلِّفُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَزْرَعَةٌ لِلْعَالِمِينَ.

فَائِدَةٌ: «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: التَّوَكُّؤُ عَلَى الْعَصَا مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا» ، وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «الْعَصَا عَلَامَةُ الْمُؤْمِنِ وَسُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَنْ خَرَجَ فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ عَصًا مِنْ لَوْزٍ مَرَّ " أَمَّنَهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ سَبُعٍ ضَارٍ، وَلِصٍّ عَاصٍ، وَمِنْ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَمَنْزِلِهِ، وَكَانَ مَعَهُ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ مِنَ الْمُعَقِّبَاتِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، حَتَّى يَرْجِعَ وَيَضَعَهَا» ، وَعَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ «: " مَنْ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَمْ يَأْخُذِ الْعَصَا عُدَّ لَهُ مِنَ الْكِبَرِ وَالْعُجْبِ» ، وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَ خَيْرُكُمْ مَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ وَلَا الْآخِرَةَ لِلدُّنْيَا، وَلَكِنَّ خَيْرَكُمْ مَنْ أَخَذَ مِنْ هَذِهِ لِهَذِهِ» .

لَطِيفَةٌ: «قَالَ أَنَسٌ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرَأَيْنَا طَيْرًا أَعْمَى يَضْرِبُ بِمِنْقَارِهِ عَلَى شَجَرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَتَدْرِي مَا يَقُولُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْعَدْلُ وَقَدْ حَجَبْتَ عَنِّي بَصَرِي وَقَدْ جُعْتُ، فَأَقْبَلَتْ جَرَادَةٌ فَدَخَلَتْ فِي فِيهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِمِنْقَارِهِ عَلَى الشَّجَرَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَتَدْرِي مَا يَقُولُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ كَفَاهُ» .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «مَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015