الحاوي للفتاوي (صفحة 497)

تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَنْ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ انْتَهَى.

وَهَذَا الْكَلَامُ صَرِيحٌ فِي مَنْعِهِ مِنْ أَنْ يَبْنِيَ حَائِطًا عَلَى بُقْعَةِ الْمَسْجِدِ وَيَضُمَّ إِلَيْهَا زِيَادَةً فِي الْبِنَاءِ مَوْصُولَةً بِهَا مُتَمَلِّكًا ذَلِكَ وَيَتَصَرَّفَ فِي الْمَجْمُوعِ بِفَتْحِ الشَّبَابِيكِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: هَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ إِعَادَةُ حَائِطِ الْمَسْجِدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، عَلَى نِيَّةِ التَّمَلُّكِ وَالتَّصَرُّفِ بِمَا شَاءَ مَعَ وُجُودِ سَهْمِ الْمَصَالِحِ الَّذِي يَجِبِ عَلَيْهِ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ مِنْهُ وَإِعَادَتُهَا كَمَا كَانَتْ؟ هَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ، وَمَا أَظُنُّ فَقِيهًا يَسْمَحُ بِهِ إِلَّا بِشَرْطِ عَدَمِ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ وَالتَّصَرُّفِ، وَكَذَا مَعَ وُجُودِ رِيعٍ مُتَحَصِّلٍ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدِ.

الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَدْ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ مِلْكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتٌ بَعْدَ مَوْتِهِ لِثُبُوتِ الْحَيَاةِ لَهُ، وَلِهَذَا أُنْفِقَ عَلَى زَوْجَاتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْ سَهْمِهِ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ، فَكَذَلِكَ يُبْنَى مِنْهُ مَا تَهَدَّمَ مِنْ مَسْجِدِهِ، وَيُعَادُ عَلَى وَضْعِهِ، وَشَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَصَرُّفٍ.

السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: لَا شَكَّ فِي أَنَّ جَمِيعَ مَا بِأَيْدِي الْمُلُوكِ الْآنَ هُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ يُثْبِتُ أَنَّهُ مِلْكُهُمْ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ، وَأَيُّ جِهَةٍ فَرَضَتْ فَعَنْهَا الْجَوَابُ الشَّافِي فَالْحَائِطُ الْمُعَادُ لَمْ يُبْنَ بِمَالِ نَفْسِهِ فَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ.

السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَدْ أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَلَى قُرَيْشٍ حَيْثُ تَصَرَّفُوا فِي الْكَعْبَةِ لَمَّا بَنَوْهَا، وَلَمْ يُعِيدُوهَا عَلَى بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَسَدُّوا أَحَدَ بَابَيْهَا، وَغَيَّرُوا مَوْضِعَ الْآخَرِ وَهَمَّ بِهَدْمِهَا، وَإِعَادَةِ الْبَابَيْنِ كَمَا كَانَا لَوْلَا حِدْثَانُ عَهْدِهِمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَمَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَصْلَحَةُ التَّآلُفِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَخَوْفُ ارْتِدَادِهِمْ إِلَى الْكُفْرِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ الْمُعَادَ لَهُ حُكْمُ مَا كَانَ قَبْلَ الْهَدْمِ، وَإِلَّا كَانَ يُقَالُ أَنَّ قُرَيْشًا إِنَّمَا تَصَرَّفَتْ فِي بِنَائِهَا الَّذِي بَنَتْهُ مِنْ مَالِهَا، وَأَنَّ بِنَاءَ إِبْرَاهِيمَ قَدْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ وَزَالَ رَسْمُهُ، وَلِهَذَا قَالَ السبكي فِيمَا سَيَأْتِي نَقْلُهُ عَنْهُ: أَنَّ هَمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَتْحِ الْبَابِ الثَّانِي فِي الْكَعْبَةِ رَدٌّ لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ وَبَيْنَ مَا بَنَاهُ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ، وَإِنَّمَا قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي بَنَاهَا آحَادُ النَّاسِ إِنْ سَلِمَ الْفَرْقُ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ ابن الصلاح قِيَاسُ رِبَاطِ الصُّوفِيَّةِ فِي إِحْدَاثِ بَابٍ فِيهِ عَلَى الْكَعْبَةِ.

الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: صَرَّحَ ابن العماد فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ مَسَاجِدُ مُتَلَاصِقَةً فَأَرَادَ النَّاظِرُ رَفْعَ الْجِدَارِ الَّتِي بَيْنَهَا وَجَعْلَهَا مَسْجِدًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَغْيِيرِ مَعَالِمِ الْوَقْفِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَرْكُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَالِاقْتِصَارُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015