الحاوي للفتاوي (صفحة 498)

عَلَى جِدَارٍ وَاحِدٍ يُجْعَلُ لِلْمَدْرَسَةِ الَّتِي تُلَاصِقُهُ مُكْتَفِيًا بِهِ عَنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِصَاصِ بِالْمَدْرَسَةِ أَوِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ جِدَارٍ لِلْمَسْجِدِ مُتَمَيِّزٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ جِدَارِ غَيْرِهِ يَخْتَصُّ بِهِ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ.

التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: هَذِهِ الْمَدْرَسَةُ إِنْ لَمْ تَكُنْ مَسْجِدًا كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَدَارِسِ وَالرُّبَطِ فَلَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ فِي الْجِدَارِ، إِذْ لَا يَتَمَيَّزُ حِينَئِذٍ جِدَارُ الْمَسْجِدِ الَّذِي حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ مِنْ جِدَارِ الْمَدْرَسَةِ الَّذِي لَا يُعْطَى حُكْمُ الْمَسْجِدِ مِنْ وُجُوهٍ، مِنْهَا تَحْرِيمُ مُكْثِ الْجُنُبِ وَصِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَالِاعْتِكَافُ وَتَحْرِيمُ الْبُصَاقِ وَحَمْلُ الْجُذُوعِ وَإِعَادَتُهُ إِذَا هُدِمَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، أَوْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْجِدًا فَيُنْظَرُ إِلَى مَا أَوْرَدَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فِي آخِرِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَنْعُ مَخْصُوصٌ بِالْقَدْرِ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي وُسِّعَ بِهَا فَلَا وَهَذَا مَرْدُودٌ بِنَصِّ الْعُلَمَاءِ، عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَيْنِ وَلَوْ وُسِّعَا مَعًا لَمْ تَخْتَلِفْ أَحْكَامُهُمَا الثَّابِتَةُ لَهُمَا، وَقَدْ وُسِّعَ فِي زَمَنِ عثمان وَغَيْرِهِ، وَاسْتَمَرَّ الصَّحَابَةُ عَلَى إِبْقَاءِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ.

وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ بُنِيَ مَسْجِدِي هَذَا إِلَى صَنْعَاءَ كَانَ مَسْجِدِي» ، وَرَوَى أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ مُدَّ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ لَكَانَ مِنْهُ.

فَهَذَا الْحَدِيثُ وَالْأَثَرُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أَحْكَامَ الْمَسْجِدِ ثَابِتَةٌ لَهُ، وَلَوْ هُدِمَ عَمَّا كَانَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُعِيدَ وَلَوْ وُسِّعَ وَامْتَدَّ، وَأَيْضًا فَالتَّوْسِعَةُ لَا تَمْنَعُ اسْتِمْرَارَ الْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الِاسْتِطْرَاقِ إِلَى الْقَدْرِ الْمَزِيدِ الِاسْتِطْرَاقُ إِلَى بَقِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِهِ فَالْمَحْذُورُ بَاقٍ.

فَصْلٌ: وَقَدْ تَعَرَّضَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا لِلْمَسْأَلَةِ وَعُمُومِهَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، فَسُئِلَ الشَّيْخُ تقي الدين عَنْ بَابٍ فُتِحَ فِي سُورِ الْمَسْجِدِ هَلْ بَعْدَ فَتْحِهِ يَجُوزُ الِاسْتِطْرَاقُ مِنْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ مِثْلَ الْأَبْوَابِ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمِثْلَ شُبَّاكِ الطَّيْبَرْسِيَّةِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْجَامِعِ الْأَزْهَرِ أَمْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْجِدَارُ عَرِيضًا بِحَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَى وَضْعِ الْقَدَمِ فِي وَسَطِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُتَكَلَّمُ فِيهَا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي جَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَكَادُ الشَّافِعِيَّةُ يَرْتَابُونَ فِي عَدَمِ إِيجَازِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَحْتَرِزُونَ عَنْ تَغْيِيرِ الْوَقْفِ جِدًّا، وَلَمَّا فُتِحَ شُبَّاكُ الطَّيْبَرْسِيَّةِ فِي جِدَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ وَرَأَيْتُهُ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، وَلَمَّا فَتَحَ الشَّيْخُ علاء الدين فِي بَيْتِهِ فِي الْمَدْرَسَةِ الشَّرِيفِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ شُبَّاكًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015