الحاوي للفتاوي (صفحة 496)

الثَّامِنَ عَشَرَ: صَرَّحَ العبادي، وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ بِأَنَّهُ لَوِ الْتَمَسَ مِنَ النَّاسِ آلَةً لِيَبْنِيَ بِهَا مَسْجِدًا فَأَعْطَوْهُ الْآلَةَ فَبَنَى بِهَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا بِنَفْسِ الْبِنَاءِ، وَلَا يَحْتَاجِ إِلَى إِنْشَاءِ وَقْفٍ، كَمَا لَوْ أَحْيَا مَوَاتًا بِنِيَّةٍ جَعَلَهَا مَسْجِدًا، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى وَقْفٍ، نَقَلَهُ الزركشي فِي التَّكْمِلَةِ عَنِ الجويني، وابن العماد فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ عَنِ العبادي، وَهَذَا يَدْفَعُ الْقَوْلَ بِأَنَّ حَائِطَ الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ إِذَا أَعَادَهَا الْإِمَامُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ وَيَحْتَاجُ إِلَى إِنْشَاءِ وَقْفٍ ; لِأَنَّهُ مَا نَوَى بِعِمَارَتِهَا إِلَّا إِعَادَةَ حَائِطِ الْمَسْجِدِ، وَالْقَرَائِنُ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ مُتَضَافِرَةٌ مِنْهَا كَوْنُ الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِ الْمَسْجِدِ.

التَّاسِعَ عَشَرَ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا بَنَى مَسْجِدًا فِي مَوَاتٍ وَنَوَى بِهِ الْمَسْجِدَ صَارَ بِهِ مَسْجِدًا وَيُغْنِي الْفِعْلُ مَعَ النِّيَّةِ عَنِ الْقَوْلِ، قَالَ: وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنِ الْآلَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنَ الْبِنَاءِ، وَهِيَ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: إِنَّهَا لِلْمَسْجِدِ فَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ نَقَلَهُ الزركشي فِي التَّكْمِلَةِ، وَصَّدَرَ هَذَا الْكَلَامَ وَالِاسْتِثْنَاءَ الَّذِي فِي آخِرِهِ بِبُطْلَانِ الْقَوْلِ بِأَنَّ حَائِطَ الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ إِذَا أَعَادَهَا الْإِمَامُ صَارَتْ مِلْكَهُ وَيَحْتَاجُ إِلَى وَقْفٍ.

الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: لَمْ يُنْقَلْ عَنْ عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حِينَ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ صَرَّحَ بِوَقْفٍ وَلَا ذَكَرَ لَفْظًا ذَكَرَهُ الزركشي فِي التَّكْمِلَةِ، قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَا عَنِ المهدي حِينَ وَسَّعَاهُ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ بَنَوْهُ بَعْدَ الْحَرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِوَقْفٍ وَلَا ذَكَرُوا لَفْظًا وَلَا نَبَّهَهُمْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِمْ مَعَ كَثْرَتِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْبِنَاءَ الْمَحْدُودَ تَابِعٌ لِلْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ.

الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ الزركشي: أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا وَأَذِنَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ لَمْ يَصِرْ مَسْجِدًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ حِينَ بَنَى مَسْجِدَهُ تَلَفَّظَ بِوَقْفِهِ، قُلْتُ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنَاهُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِالْوَحْيِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنِ التَّصْرِيحِ بِوَقْفِهِ، فَإِنَّ قُوَّةَ الْأَحَادِيثِ وَالْأَخْبَارِ تُعْطِي ذَلِكَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ مَسْجِدِهِ وَتَسْتَمِرُّ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ كُلُّ مَنْ جَدَّدَهُ إِلَى تَصْرِيحٍ بِوَقْفِهِ.

الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا نَقْلًا عَنِ الْإِمَامِ: لَا شَكَّ فِي انْقِطَاعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015