الْعَبْدَ الْقِنَّ إِذَا مَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ فِي الْجِنَايَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعَ جِنَايَتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ، لِأَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، فَصَارَ ضَمَانُهَا ضَمَانَ إِتْلَافٍ لَا يَلْزَمُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الْقِيمَةِ، وَخَالَفَتِ الْعَبْدَ الْمَقْدُورَ عَلَى بَيْعِهِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ رَاغِبٌ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَلِذَلِكَ ضَمِنَ سَيِّدُهُ بِالْمَنْعِ جَمِيعَ جِنَايَتِهِ.
قال الشافعي رضي الله عنه: (فَإِنْ أَدَّى قِيمَتَهَا ثُمَّ عَادَتْ فَجَنَتْ فَفِيهَا قولان: أحدهما أن إسلامه قيمتها كإسلامه بدنها ويرجع المجني عليه الثاني بأرش جنايته على المجني عليه الأول فيشتركان فيها بقدر جنايتهما ثم هكذا كلما جنت ويدخل فيه أن إسلامه قيمتها كان كإسلام بدنها إلى الأول لزم الأول إخراجها إلى الثاني إذا بلغ ارش الجناية قيمتها، والثاني أنه يدفع الأقل من قيمتها أو الجناية فإن عادت فجنت وقد دفع الارش رجع على السيد وهكذا كلما جنت (قال المزني) والثاني أشبه عندي بالحق لأن إسلام قيمتها لو كان كإسلام بدنها لوجب أن تكون الجناية الثانية على قيمتها وبطلت الشركة وفي إجماعهم على إبطال ذلك إبطال هذا القول وفي إبطاله ثبوت القول الآخر إذ لا وجه لقول ثالث نعلمه عند جماعة العلماء ممن لا يبيع أمهات الأولاد فإذا افتكها ربها صارت بمعناها المتقدم لا جناية عليها ولا سيدها بها فكيف إذا جنت لا يكون عليها مثل ذلك قياسا (قال المزني) وقد ملك المجني عليه الارش بحق فكيف يجني غيره وغير ملكه وغير من هو عاقله له فيجب عليه غرمه أو غرم شيء منه) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَخْلُو جِنَايَةُ أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا تَكَرَّرَتْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَتَكَرَّرَ قَبْلَ غُرْمِ الْأَرْشِ، فَيَكُونُ السَّيِّدُ ضَامِنًا لِأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ كُلِّهَا، وَإِنْ كَثُرَتْ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أُرُوشِ جِنَايَاتِهَا، وَلَا يَلْتَزِمُ السَّيِّدُ مِنَ الْغُرْمِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَرْشِ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ كَوُجُوبِهِ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَتَكَرَّرَ جِنَايَتُهَا بَعْدَ غُرْمِهَا، وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ قِيمَتِهَا، فَيَضْمَنَ السَّيِّدُ غُرْمَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، كَمَا ضَمِنَ غُرْمَ الأولة حَتَّى يَسْتَوْعِبَ غُرْمَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ سَوَاءٌ اتَّفَقَتِ الْجِنَايَاتُ أَوِ اخْتَلَفَتْ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ الأولة نصف قيمتها، والثانية ثلث قيمتها، والثانية رُبْعَ قِيمَتِهَا، فَيُغَرَّمَ أَرْشَ كُلِّ جِنَايَةٍ مِنْهَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ غُرْمَ جَمِيعِ قِيمَتِهَا.