قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ السَّيِّدُ لِأُمِّ وَلَدِهِ، لِأَنَّهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَمِلْكُ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ بِالْقَبُولِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهِيَ فِيمَا بَعْدَ مَوْتِهِ حُرَّةٌ، فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لَهَا كَالْوَصِيَّةِ لِسَائِرِ الْأَحْرَارِ، وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لَهَا مِنَ الثُّلُثِ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُ مِنَ الثُّلُثِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الثُّلُثِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَّسِعَ لِقِيمَةِ الْمُدَبَّرِ، وَلِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ، فَيُعْتَقَ الْمُدَبَّرُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ، وَيَمْلِكَ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ بِقَبُولِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَضِيقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا، وَيَتَّسِعَ لِأَحَدِهِمَا، فَيُقَدَّمَ عِتْقُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَهُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ عِتْقَهُ يَقَعُ بِالْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ تُمْلَكُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَصَارَ الْعِتْقُ سَابِقًا لِمِلْكِ الْوَصِيَّةِ فَلِذَلِكَ قُدِّمَ عَلَيْهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْعِتْقِ إِبْطَالًا لَهَا وَلِلْعِتْقِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعْتَقْ وَصَارَ مَمْلُوكًا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ، لِأَنَّهَا تَصِيرُ وَصِيَّةً لِلْوَرَثَةِ فَأَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ لَهُ، وَأَمْضَيْنَا عِتْقَهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَّسِعَ الثُّلُثُ لِأَحَدِهِمَا وَبَعْضِ الْآخَرِ، فَيُكْمَلُ عِتْقُهُ مِنَ الثُّلُثِ، وَيَكُونَ بَاقِي الثُّلُثِ فِي وَصِيَّتِهِ، لِيَكُونَ الْعَجْزُ دَاخِلًا عَلَى وَصِيَّتِهِ دُونَ عِتْقِهِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَضِيقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا وَيَتَّسِعَ لِبَعْضِ أَحَدِهِمَا، فَيَكُونَ مَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ مَصْرُوفًا فِي عِتْقِهِ، فَيُعْتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ، وَيُوقَفَ بَاقِيهِ، وَتَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لَهُ.
وَلَوْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِ غَيْرِهِ، وَلِمُدَبَّرِ غَيْرِهِ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا، فَإِنْ عَتَقَا بِمَوْتِ سَيِّدِهِمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا وَمَلَكَاهَا بِقَبُولِهِمَا، وَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ عِتْقِهِمَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِمَا، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْعَبْدِ وَصِيَّةٌ لِسَيِّدِهِ، فَإِذَا قَبِلَهَا السَّيِّدُ مَلَكَهَا، وَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا أَنْ يُوصِيَ الرَّجُلُ لَعَبْدِ غَيْرِهِ، وَلَمْ نُجَوِّزْ أَنْ يُوصِيَ لِعَبْدِهِ، لأنها تصير وصية لوارثه.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلُّ مِنَ الْأَرْشِ أَوِ الْقِيمَةِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، جِنَايَةُ أُمِّ الْوَلَدِ مَضْمُونَةٌ عَلَى سَيِّدِهَا، لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهَا مَا مَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا، وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ الْعِتْقُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ فِيهِ بِذِمَّتِهَا، فَصَارَتْ كَالْأَمَةِ الْقِنِّ إِذَا مَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ بَيْعِهَا يَلْتَزِمُ بِالْمَنْعِ غُرْمَ جِنَايَتِهَا.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ضَمِنَ جِنَايَتَهَا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهَا، وَخَالَفَتِ