أَحَدُهُمَا: لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدِ اسْتَثْنَاهُ فَصَارَ كَأثانين رَمَضَانَ.
وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ صَادَفَ أَيَّامَ التَّحْرِيمِ فَصَارَ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ لِأَنَّ نَذْرَهُ قَدِ انْعَقَدَ عَلَى طَاعَةٍ وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ لَا يُصَادِفَ أَيَّامَ التَّحْرِيمِ، فَلَزِمَ قَضَاؤُهُ لِانْعِقَادِ النَّذْرِ، وَفَارَقَ أَثَانِينَ رَمَضَانَ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ مِنْهَا.
وَالْعُذْرُ الثَّالِثُ: الْمَرَضُ الْمَانِعُ مِنْ صِيَامِهِ بِالْعَجْزِ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالنَّذْرِ مُعْتَبَرٌ بِمَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ، فَلَمَّا لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَرَضِ قَضَاءُ، مَا وَجَبَ مِنْ رَمَضَانَ، لَمْ يَسْقُطْ بِهِ قَضَاءُ مَا وَجَبَ بِالنَّذْرِ.
وَالْعُذْرُ الرَّابِعُ: الْجُنُونُ الطَّارِئُ عَلَيْهِ، فَيَسْقُطُ بِهِ قَضَاءُ النَّذْرِ كَمَا يَسْقُطُ بِهِ قَضَاءُ الْفَرْضِ.
والعذر الخامس: الإغماء
قال الشافعي: " وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَهُمَا وَقَضَى كُلَّ إثنين فِيهِمَا وَلَا يُشْبِهُ شَهْرَ رَمَضَانَ لِأَنَّ هَذَا شيءٌ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ الإثنين وَشَهْرُ رَمْضَانَ أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ لَا بشيءٍ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ صَوْمُ الْأَثَانِينِ عَنْ نَذْرٍ، وَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ، صَامَ أَثَانِينَ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ عَنْ كَفَّارَتِهِ، دُونَ نَذْرِهِ، لِأَنَّ قَضَاءَ أَثَانِينِ نَذْرِهِ مُمْكِنٌ وقضاء تتابع صيامه بغير الأثناين غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَمَا أَمْكَنَ مَعَهُ أَدَاءُ الْحَقَّيْنِ كَانَ أَوْلَى مِنْ إِسْقَاطِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، فَإِذَا فَعَلَ هَذَا، وَصَامَ أَثَانِينَ الشَّهْرَيْنِ عَنْ كَفَّارَتِهِ، حَتَّى تَتَابَعَ شَهْرَا صِيَامِهِ أَجْزَأَتْهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وإن كان صام أَثَانِينِهِ مُسْتَحَقًّا عَنْ غَيْرِهَا، لِمَا قَدَّمْنَا مِنَ التَّعْلِيلِ.
فَأَمَّا قَضَاءُ أَثَانِينِهِ عَنِ النَّذْرِ فَمُعْتَبَرٌ بِأَسْبَقِهِمَا وُجُوبًا، فَإِنْ تَقَدَّمَ وُجُوبُ النَّذْرِ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ أَثَانِينَ الشَّهْرَيْنِ عَنْ نَذْرِهِ، لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ مَا مَنَعَهُ مِنْ صِيَامِ النَّذْرِ قَضَاءً كَالْفِطْرِ بِعُذْرٍ، أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ تَقَدَّمَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى وُجُوبِ النَّذْرِ فَفِي قضاء أثانين الكفارة وجهان:
أحدهما: يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا، لِتَقَدُّمِ اسْتِحْقَاقِهَا عَنْهُ كَأَثَانِينِ رَمَضَانَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ أَثَانِينِ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ أَدْخَلَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدِ التزم بالنذر أثانيها فَقَضَاهَا، لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَسْتَثْنِهَا، وَصِيَامُ رَمَضَانَ