الحاوي الكبير (صفحة 7094)

بِالسِّهَامِ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهَا رَضَخْنَاهُمْ بِالْأَحْجَارِ، وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ مِنْ ذَلِكَ طَعَنَّاهُمْ بِالرِّمَاحِ، وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَيْنَا ضَرَبْنَاهُمْ بِالسُّيُوفِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَذَا هُوَ الْحَرْبُ ".

وَأَمَّا حَدُّهُ الثَّالِثُ عَلَى التَّقْرِيبِ، فَهُوَ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ؛ لِأَنَّ فِي الرُّمَاةِ من يصيب منه.

وَالْإِصَابَةُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مُتَعَذِّرَةٌ.

وَحُكِيَ أَنَّهُ لَمْ يُرَ أَحَدٌ كَانَ يَرْمِي عَلَى أَرْبَعِ مائة ذراع، ويصيب إلا عقبة من عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ، وَهَذَا شَاذٌّ فِي النَّادِرِ إِنْ صَحَّ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عليه، فإن عقد النضال على أكثر الْمَسَافَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَهِيَ مِائَتَا ذِرَاعٍ صَحَّ الْعَقْدُ إِذَا كَانَ مِثْلُ الرَّامِيَيْنِ يُصِيبُ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُمَا لَا يُصِيبُ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ عُقِدَ عَلَى أَكْثَرَ الْمَسَافَةِ النَّادِرَةِ وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَكَانَ مِثْلُهُمَا لَا يُصِيبُ مِنْهَا، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُمَا قَدْ يُصِيبُ مِنْهَا، فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ لِإِمْكَانِ إِصَابَتِهِمَا مِنْهَا كَالْمَسَافَةِ الْمُعْتَادَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ النَّادِرَ غَرَرٌ، وَالْغَرَرُ في العقود مردود بالنهي عنه، وحكم مَا بَيْنَ الْمُعْتَادِ وَالنَّادِرِ، فَيَلْحَقُ بِأَقْرَبِهِمَا إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ، أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ، فَهُوَ مِنَ الْمُعْتَادِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ فَهُوَ فِي النَّادِرِ.

وَأَمَّا عَقْدُهُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِمِائَةِ، فَإِذَا كَثُرَتِ الزِّيَادَةُ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى الثلاثمائة فإن كثرت الزيادة بطل العقد بها وإن قلت الزيادة كانت حكم الثلاثمائة على الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ إِغْفَالَ ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ يُبْطِلُهُ، فَصَارَ مِنْ لَوَازِمِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، وهو: هل الإصابة من الفرع إِلَى الْخَسْقِ، هَلْ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى فَسْخِ العقد، واستئناف غيره، أو لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ بِغَيْرِ فَسْخٍ، إِلْحَاقًا بِمَحَلِّ الْغَرَضِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ الْفَسْخِ إِلْحَاقًا بِمَحَلِّ الْإِصَابَةِ مِنَ الْغَرَضِ، فَإِنِ اعْتُبِرَ فِيهِ الْفَسْخُ، اسْتَأْنَفَا الرَّمْيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْفَسْخُ بَنَيَا عَلَى الرَّمْيِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: " وَمَنْ أَجَازَ هَذَا إِجَازَةً فِي الرُّقْعَةِ " أَيْ مَنْ أجاز الزيادة في المسافة فأولى أن يجيز تَغْيِيرَ الْغَرَضِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسَافَةِ أَغْلَظُ، وَاللَّهُ أعلم.

(مسألة:)

قال الشافعي: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَرْمِيَا أَرْشَاقًا مَعْلُومَةً كُلَّ يومٍ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فلا يفترقا حتى يفرعا منها إلا من عذرٍ أو مرضٍ أَوْ عاصفٍ مِنَ الرِّيحِ ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015