التَّفْصِيلِ أَوْ يَخْتَصُّ بِعَدَدِ التَّفْصِيلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْطَلِقُ عَلَى الْعَدَدَيْنِ كَالرِّشْقِ، وَقَالَ آخَرُونَ، يَخْتَصُّ بِعَدَدِ التَّفْصِيلِ دُونَ الْجُمْلَةِ.
وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذَا هَلْ يَخْتَصُّ بِرَمْيِ الْجُلَاهِقِ أَوْ يَعُمُّ النُّشَّابَ وَالْجُلَاهِقَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: النَّدْبُ كَالرِّشْقِ يَعُمُّ انْطِلَاقَهُمَا عَلَى عَدَدِ الرَّمْيِ فِي النِّشَابِ وَالْجُلَاهِقِ وَهُوَ الْبُنْدُقُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الرِّشْقُ مُخْتَصٌّ بِعَدَدِ الرَّمْيِ فِي النِّشَابِ، وَالنَّدْبُ مُخْتَصٌّ بِعَدَدِ الرَّمْيِ فِي الْجُلَاهِقِ وَمِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ في هذه المسألة " الرفعة " وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي رِوَايَتِهَا فَرَوَاهَا الْمُزَنِيُّ: الرُّقْعَةُ بِالْقَافِ وَضَمِّ الرَّاءِ، وَرَوَاهَا ابْنُ سُرَيْجٍ: " الرِّفعة " بِالْفَاءِ وَكَسَرِ الرَّاءِ مَأْخُوذٌ مِنَ الِارْتِفَاعِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " وَنَسَبَ الْمُزَنِيَّ إِلَى الْوَهْمِ، فَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ يَكُونُ هَذَا الِاسْمُ صِفَةً لِلْغَرَضِ فِي ارْتِفَاعِهِ مِنْ خَفْضٍ إِلَى عُلُوٍّ.
وَعَلَى رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهَا الرُّقْعَةُ بِالْقَافِ اخْتُلِفَ فِي المراد بها هاهنا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: إِنَّهُ اسْمٌ لِلْغَرَضِ الَّذِي فِي الْهَدَفِ، فَيَكُونُ مُسَمًّى بِاسْمَيْنِ بِالرُّقْعَةِ وَبِالْغَرَضِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ اسْمٌ يَخْتَصُّ بِهَا فِي وَسَطِ الْغَرَضِ مِنْ عَظْمٍ هُوَ أَضِيقُ مَا فِيهِ مِنْ مَوَاقِعَ الْإِصَابَةِ الَّذِي تَقَدَّمَ لَهُ سِمَةٌ بِالْخَاتَمِ، فَيُسَمَّى بِاسْمَيْنِ بِالرُّقْعَةِ وَبِالْخَاتَمِ.
وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ اسْمٌ لِمَسَافَةِ الرَّمْيِ، فِيمَا بَيْنَ مَوْقِفِ الرَّامِي وَالْهَدَفِ وَلَئِنْ طَالَ الْكَلَامُ بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، فَلَا غِنًى عَنْهَا؛ لِتَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِهَا.
فإذا تقرر هَذِهِ الْجُمْلَةُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أوجه:
أحدها: أنها مُصَوَّرَةٌ فِي قَدْرِ الْمَسَافَةِ الَّتِي تَجُوزُ أَنْ يَتَنَاضَلَا إِلَيْهَا، وَحَدُّ أَقَلِّهَا مَا يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئَ فِيهِ الرُّمَاةُ لِبُعْدِهِ، وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئُوا فِيهِ؛ لِقُرْبِهِ، فَالنِّضَالُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ، وَحَدُّ أَكْثَرِهَا مَا يَجُوزُ أَنْ يُصِيبَ فِيهِ الرُّمَاةُ لِقُرْبِهِ.
فَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُصِيبُوا فِيهِ لِبُعْدِهِ، فَالنِّضَالُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ، وَهَذَانِ الْحَدَّانِ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ هُمَا حَدَّا تَحْقِيقٍ لِمَعْنَاهُمَا وَحَدُّهُمَا بِالْمَسَافَةِ حَدُّ تَقْرِيبٍ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ، وَلِأَكثَرِ الْمَسَافَةِ عَلَى التَّقْرِيبِ مُعْتَادٌ وَنَادِرٌ فَأَمَّا حَدُّهُ الْمُعْتَادُ عَلَى التَّقْرِيبِ، فَهُوَ مِائَتَا ذِرَاعٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ غَزَاةٍ، وَوَصَفَ لَهُ حَرْبَهُمْ فِيهَا، فَقَالَ: كُنَّا نُحَارِبُ الْعَدُوَّ، فَإِنْ كَانُوا مِنَّا عَلَى مِائَتَيْ ذِرَاعٍ رَمَيْنَاهُمْ