قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَخْلُو حَالُ الرَّمْيِ مِنْ حالين:
أحدهما: أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا عَلَى رِشْقٍ وَاحِدٍ يُمْكِنُ رَمْيُ جَمِيعِهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُوَالَى رَمْيُ جَمِيعِهِ، وَلَا يُفَرَّقَ، وَلَهُمَا فيه ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن يعقداه معجلاً، فَيَلْزَمُ رَمْيَ جَمِيعِهِ فِي يَوْمِ عَقْدِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا تَأْخِيرُهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ يَمْنَعُ مِنَ الرَّمْيِ مِنْ مَرَضٍ بِالرَّامِي أَوْ مَطَرٍ أَوْ رِيحٍ يُفْسِدُ آلَةَ الرَّمْيِ، فَإِنْ أَخَّرَاهُ عَنْ يَوْمِهِمْ عَنْ تَرَاضٍ، فَهُوَ إِنْظَارٌ لَا يَفْسَدُ بِهِ الْعَقْدُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَعْقِدَاهُ مُؤَجَّلًا فِي يَوْمٍ مُسَمًّى جَعَلَاهُ وَقْتًا لِلرَّمْيِ، فَفِي الْعَقْدِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ عُقِدَ عَلَى عَيْنِ شَرْطٍ فِيهِ تَأْخِيرُ الْقَبْضِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: صَحِيحٌ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ.
وَالثَّانِي: ِإِنَّ عَقْدَهُ أَوْسَعُ حُكْمًا مِمَّا عَدَاهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْأَصْلُ هُوَ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِ الرَّمْيُ، لَا يُقَدَّمُ قَبْلَهُ، وَلَا يُؤَخَّرُ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا تَقْدِيمَهُ أَوْ تَأْخِيرَهُ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ صَاحِبُهُ، كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى تَقْدِيمِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ جَازَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا، وَلَوْ بَدَّرَ أَحَدُهُمَا، فَرَمَى قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِصَوَابِهِ، وَلَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بِخَطَئِهِ؛ لِأَنَّهُ رَمْيٌ لِمَ يقتضيه الْعَقْدُ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَعْقِدَاهُ مُطْلَقًا لَا يَشْتَرِطَا فِيهِ حُلُولًا، وَلَا تَأْجِيلًا، فَيَقْتَضِي إِطْلَاقُهُ الْحُلُولَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْعَقْدِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَرْطِهِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْأَصْلِ: أَنْ يَكُونَ النِّضَالُ مَعْقُودًا عَلَى أرشاقٍ كَثِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ رَمْيُ جَمِيعِهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لِعَقْدِهِ عَلَى مِائَةِ رِشْقٍ، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِطَا فِيهِ مَا يُمْكِنُ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَا فِي كُلِّ يَوْمٍ رَمْيَ أَرْشَاقٍ مَعْلُومَةٍ يَتَّسِعُ الْيَوْمُ لِرَمْيِهَا مِنْ غَيْرِ إِرْهَاقٍ، فَهَذَا جَائِزٌ، وَيَخْتَصُّ كُلُّ يومٍ رَمْي مَا سُمِّيَ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِتَأْجِيلٍ يَخْرُجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرُ الرَّمْيِ فِي زَمَانِهِ، فَصَحَّ وَجْهًا وَاحِدًا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَا مَا يَمْتَنِعُ، وَهُوَ رَمْيُ جَمِيعِ الْأَرْشَاقِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ يَضِيقُ عَنْ جَمِيعِهَا فَهَذَا بَاطِلٌ، لِامْتِنَاعِهِ، وَيَكُونُ الْعَقْدُ بِهِ بَاطِلًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا لَا يَشْتَرِطَا فِيهِ تَقْدِيرَ الرَّمْيِ، فَيَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يَرْمِيَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا اتَّسَعَ لَهُ بِحَسْبِ طُولِ النَّهَارِ وَقِصَرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الرَّمْيُ فِي الليل