ذَبِيحَتَهُ وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ ".
قَالُوا: وَتَقْدِيرُهَا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ يَقِينٌ وَتَقْدِيرُهَا بِزَمَانِ الصَّلَاةِ اجْتِهَادٌ، فَكَانَ اعْتِبَارُ وَقْتِهَا بِالْيَقِينِ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِهِ بِالِاجْتِهَادِ، وَلِأَنَّ تَقْدِيرَهَا بِالْفِعْلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَبِالزَّمَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْأَخْذُ بِالِاتِّفَاقِ أَوْلَى مِنَ الْعَمَلِ بِالِاخْتِلَافِ.
وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَامَ يَوْمَ النَّحْرِ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: " لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ " فَقَامَ خَالِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا يومٌ اللَّحْمُ فِيهِ مكروهٌ وَإِنِّي ذَبَحْتُ نَسِيكَتِي فَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قَدْ فَعَلْتَ فَأَعِدْ ذَبْحًا آخَرَ قَالَ: عِنْدِي عَنَاقُ لبنٍ هِيَ خيرٌ مِنْ شَاتَيْ لحمٍ، فَقَالَ " هُوَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ لَنْ تُجْزِئَ جذعةٌ عَنْ أحدٍ بَعْدَكَ ".
فَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ فِيهِ: أَنَّهُ عَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِصَلَاةِ الْمُضَحِّي لَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْمُضَحِّي يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ مُنْفَرِدًا وَلَيْسَ يُعْتَبَرُ فِعْلُهُ لِلصَّلَاةِ اتِّفَاقًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ وَقْتَ الصَّلَاةِ.
وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ تَعَلَّقَتْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْقُرَى تَعَلَّقَتْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، كَالصَّلَاةِ طَرْدًا وَالْكَفَّارَاتِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ وَقْتًا لِلذَّبْحِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْقُرَى، كَانَ وَقْتًا لِلذَّبْحِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، كَمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ طَرْدًا وَعَكْسُهُ دَلَالَةٌ عَلَيْهِمْ فِي أَهْلِ الْقُرَى أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِذَبْحِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ لَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِذَبْحِ أَهْلِ الْقُرَى، كَمَا قَبْلَ الْفَجْرِ؛ وَلِأَنَّ مَا تَوَقَّتَ مِنَ الْعِبَادَاتِ إِذَا تَقَدَّرَ آخِرُهُ بِالْوَقْتِ تَقَدَّرَ أَوَّلُهُ بِالْوَقْتِ كَالصَّلَاةِ طَرْدًا وَالزَّكَاةِ عَكْسًا؛ وَلِأَنَّ أَحَدَ طَرَفَيْ زَمَانِ الذَّبْحِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا بِالْوَقْتِ كَالطَّرَفِ الْأَخِيرِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " لَا ذَبْحَ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ " فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْإِمَامَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَدْ مَضَى، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ وَقْتُ صَلَاتِهِ وَهُوَ مَا قُلْنَاهُ.
وَالثَّانِي: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْإِمَامُ كَمَا قَالَ: " مَنْ أَدَّى رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشمس فقعد أَدْرَكَ الْعَصْرَ ".
يُرِيدُ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَنْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمِصْرِ كَمَا عَدَلُوا بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْقُرَى، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ اعْتِبَارَهَا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ يَقِينٌ وَبِزَمَانِهَا اجْتِهَادٌ فَهُوَ أَنَّ