قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إِنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى لِلْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ لَا بِفِعْلِهَا، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَارْتَفَعَتْ حَتَّى خَرَجَتْ عَنْ كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بِالصَّلَاةِ وَمَضَى بَعْدَ ذَلِكَ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ دَخَلَ وَقْتُ النَّحْرِ، وَجَازَ ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ فِيهِ سَوَاءٌ صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمِصْرِ، أَوْ لَمْ يُصَّلِ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَقْدِيرِ زَمَانِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْخُطْبَتَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْعِيدِ وَخُطْبَتَيْهِ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأَوْلَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِسُورَةِ " ق " وَفِي الثَّانِيةِ بِسُورَةٍ اقْتَرَبَتْ وَكَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَسْتَوْفِي فِيهَا التَّحْمِيدَ وَالْمَوَاعِظَ وَبَيَانَ الْأَضَاحِيِّ وَالْوَصِيَّةِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقِرَاءَةِ آيَةٍ، فَيَكُونُ اعْتِبَارُ وَقْتِ صَلَاتِهِ وَخُطْبَتَيْهِ هُوَ الْمَشْرُوطُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُعْتَبَرَ بِأَقَلِّ مَا يُجْزِئُ فِي صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ، وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي خُطْبَتَيْنِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّهُ كَانَ يُطِيلُ مَرَّةً، وَيُخَفِّفُ أُخْرَى، وَيُقَدِّمُ تَارَةً وَيُؤَخِّرُ أُخْرَى، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِتَحْدِيدٍ مَشْرُوعٍ لَا يَخْتَلِفُ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بَعْدَ هَذَا، هَلْ كَانَ وَقْتُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في اعتبار قدر الصلاة يحكمها فِيمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: على إِنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي أنه عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُعْتَبَرٌ بِصَلَاتِهِ، وَفِي عَهْدِ مَنْ بَعْدَهُ مُعْتَبَرٌ بقدر الصلاة، فهذه شَرْحُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِيهِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْأَمْصَارِ بِصَلَاةِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا، وَفِي الْقُرَى، وَالْأَسْفَارِ مُعْتَبَرٌ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، فَإِنْ ضَحَّى أَهْلُ الْأَمْصَارِ قَبْلَ صَلَاةِ الْأَئِمَّةِ كَانَ شَاةَ لَحْمٍ وَلَمْ تكن أضحية
والمذهب الثالث: هو قَوْلُ مَالِكٍ إِنَّهُ فِي الْأَمْصَارِ مُعْتَبَرٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَنَحْرِهِ وَفِي الْقُرَى، وَالْأَسْفَارِ مُعْتَبَرٌ بِصَلَاةِ الْأَئِمَّةِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ بِهِمْ، فَإِنْ ذَبَحَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ قَبْلَ ذَبْحِ الْإِمَامِ كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ وَلَمْ تَكُنْ أُضْحِيَّةً.
وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ إِنَّهُ فِي وَقْتِ جَمِيعِ النَّاسِ مُعْتَبَرٌ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ بِرِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا ذَبْحَ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ".
وَبِرِوَايَةِ جرير بن عبد الله البجلي قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَعَلِمَ أَنَّ نَاسًا ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدَ