بِالْعَدَالَةِ لِلُحُوقِ الظِّنَّةِ بِالْفَاسِقِ وَانْتِفَائِهَا عَنِ الْعَدْلِ.
وَالْفَرْعُ الثَّانِي: أَنْ يَكْمُلَ عَدَدُهُمْ وَتَكْمُلَ صِفَتُهُمْ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تُرَدَّ لِتَكَاذُبٍ فِيهَا وَتَعَارُضٍ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّهُ زَنَا بِهَا يَوْمَ الجمعة ببغداد، ويشهد الآخران أنه زنا بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْبَصْرَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ رد الشهود من غير تكاذب موجب الحد فوجب به مَعَ التَّكَاذُبِ أَوْلَى، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَفِي رَدِّهِمْ بِالتَّكَاذُبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: يُحَدُّونَ جَمِيعًا لِلْقَطْعِ بِالْكَذِبِ فِي شَهَادَتِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحَدُّونَ جَمِيعًا، لِأَنَّ الْكَذِبَ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أن يُحَدَّ الْأَخِيرَانِ؛ لِتَقَدُّمِ إِكْذَابِ الْأَوَّلَيْنِ لَهُمَا قَبْلَ شهادتهما ولا يحد الأولان لحدوث إكذاب الآخران لهما بعد شهادتهما وهذا صحيح.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُمْ لِاخْتِلَافِ الزِّنَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُودِهِ مِنْهُمَا، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّهُ زَنَا بِهَا فِي يوم الجمعة ويشهد الآخران أنه زنا بِهَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ، أَوْ يَشْهَدُ اثْنَانِ أنه زنا بها في الدار، ويشهد آخران أنه زنا بِهَا فِي الْبَيْتِ، فَلَيْسَ فِي هَذَا تَكَاذُبٌ؛ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ لَمْ تَكْمُلِ الشَّهَادَةُ بِأَحَدِهِمَا فَلَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا حَدُّ الشُّهُودِ فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ نُقْصَانَ الْعَدَدِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَهَذَا أَوْلَى، وَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ ففي وجوبه ها هنا وَجْهَانِ:
أْحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تُكْمَلْ بِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ لِكَمَالِ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فصارت كاملة في سقوطه الْعِفَّةِ وَإِنْ لَمْ تُكْمَلْ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا اخْتُلِفَ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِمْ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ أَنَّهُ أكرهها على الزنا، ويشهد الآخران أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ عَلَى الزِّنَا، فَلَا حَدَّ عَلَى المرأة؛ لأنها تحد بالمطاوعة دُونَ الْإِكْرَاهِ، وَلَمْ تَكْمُلِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا بِالْمُطَاوَعَةِ، فَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْهَا.
وَأَمَّا الرَّجُلُ فَفِي وُجُوبِ حَدِّهِ بِشَهَادَتِهِمْ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ في " جامعه) .
أحدهما: لا يحد؛ لأن اخْتِلَافُ الصِّفَةِ كَاخْتِلَافِ الْفِعْلِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُحَدُّ لِاتِّفَاقِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِزِنًا وَاحِدٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَيْسَ فِيهَا تَعَارُضٌ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يَكُونُ فِي أَوَّلِ الْفِعْلِ وَالْمُطَاوَعَةَ فِي آخِرِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ فِي حَدِّ الرَّجُلِ لَمْ يُحَدُّوَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَلَا في الْمَرْأَةِ لِثُبُوتِهَا، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ