بشهادتهم في حد الرجل جاز الْحُكْمُ فِي وُجُوبِ حَدِّهِمْ كَالضَّرْبِ الثَّانِي إِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ إِذَا نَقَصُوا، فَهَؤُلَاءِ أولى أن لا يحدوا، وإن قيل: يُحَدُّونَ إِذَا نَقَصُوا فَفِي وُجُوبِ حَدِّ هَؤُلَاءِ وَجْهَانِ: فَإِنْ قُلْنَا: لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ فَلَا مَسْأَلَةَ، وَإِنْ قُلْنَا الْحَدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ حُدَّ شاهد الْإِكْرَاهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ، وَحُدَّ شاهد الْمُطَاوَعَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَحَقِّ الْمَرْأَةِ وَهُوَ قذف لهما بزنا واحد، فهل يَحُدُّونَ لَهُمَا حَدًّا وَاحِدًا أَوْ حَدَّيْنِ؟ عَلَى قولين:
أحدهما: وهو الْقَدِيمِ: يُحَدُّونَ حَدًّا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الزِّنَا وَاحِدٌ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الْجَدِيدُ: يُحَدُّونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدًّا مُفْرَدًا؛ لِأَنَّهُ مَقْذُوفٌ فِي عَيْنِهِ، وَاللَّهُ أعلم.
وأما المسألة المسطورة أوله فصورتها: في أربعة شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ وَقَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ بِهَا، سَقَطَ الْحَدُّ عَنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَحُدَّ مِنَ الشُّهُودِ الرَّاجِعُ عَنْ شَهَادَتِهِ لِاعْتِرَافِهِ بِالْقَذْفِ، وَلَمْ يُحَدَّ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا.
وقال أبو حنيفة: حد مَنْ رَجَعَ وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَّا أَنْ يكون رجوعه بعد إقامة الحد فيحد الرابع وَحْدَهُ، احْتِجَاجًا بِأَنَّ نُقْصَانَ الْعَدَدِ فِي الِانْتِهَاءِ كَنُقْصَانِهِ فِي الِابْتِدَاءِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزِّنَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِمَثَابَتِهِ فِي وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: هُوَ أَنَّ مَنْ وَجَبَ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِ لَمْ يُحَدَّ إِذَا أَقَامَ عَلَى شَهَادَتِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الْعَدَدِ بَعْدَ كَمَالِهِ لَا يُوجِبُ حَدَّ مَنْ بَقِيَ، كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ أَوْ فُسِّقَ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ، وَهَذَا أَلْزَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَلَمْ يُحَدَّ الْبَاقُونَ مِنَ الشُّهُودِ، وَيُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ نُقْصَانِ الْعَدَدِ من الِابْتِدَاءِ وَنُقْصَانِهِ فِي الِانْتِهَاءِ أَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْ نُقْصَانِهِ فِي الِابْتِدَاءِ مُمْكِنٌ، وَالتَّحَرُّزُ مِنْ نُقْصَانِهِ فِي الِانْتِهَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا إذا لم يجب بها حد الزنا وفي وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الشُّهُودِ أَوْ سُقُوطِهِ عَنْهُمْ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ.
فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ كَانُوا عَلَى عَدَالَتِهِمْ فِي سَمَاعِ شَهَادَتِهِمْ وَقَبُولِ خَبَرِهِمْ.
وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ إِلَّا قَاذِفٌ، وَالْقَاذِفُ لا تسمع شهادته حتى يتوب، وبذلك قال عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَبِي بَكْرَةَ: " تُبْ أَقْبَلْ شهادتك) فأما قبول أخبارهم عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ففيه وجهان: