قَوْلَيْنِ: فَأَمَّا إِذَا اقْتَرَنَ بِقَتْلِهِ لَوْثٌ فَقَدْ أجاز الشافعي هاهنا لِلسَّيِّدِ الْقَسَامَةَ فِيهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَحَمَلَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْعَقْلِ فَإِنْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ أَقْسَمَ سَيِّدُهُ، وَإِنْ قِيلَ: لَا تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ لَمْ يُقْسِمْ لِأَنَّهُ يَجْرِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَجْرَى الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا قَسَامَةَ فِيهَا وَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسُ بْنُ سُرَيْجٍ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا لِأَنَّ الْقَسَامَةَ فِي النُّفُوسِ لِحِفْظِ حُرْمَتِهَا كَمَا حُفِظَتْ حُرْمَتُهَا بِالْقِصَاصِ وَغَلُظَتْ بِالْكَفَّارَةِ وَهُمَا مُعْتَبَرَانِ فِي الْعَبْدِ كَاعْتِبَارِهِمَا فِي الْحُرِّ فَكَذَلِكَ فِي الْقَسَامَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَالْحُرِّ وَخَالَفَ تَحَمُّلُ الْعَقْلِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلنُّصْرَةِ وَالْمُحَابَاةِ الَّتِي يُقْصُرُ الْعَبْدُ عَنْهَا وَيَخْتَصُّ الْحُرُّ بِهَا فَافْتَرَقَ مَعْنَى الْقَسَامَةِ وَالْعَقْلِ فَلِذَلِكَ أَقْسَمَ فِي الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ.
وَهَكَذَا لَوْ قُتِلَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ الْقَسَامَةُ فِيهِمْ لِأَنَّهُمْ قُتِلُوا عَبِيدًا.
فَأَمَّا الْقَسَامَةُ عَلَى الْعَبْدِ إِذَا كَانَ قَاتِلًا فَجَائِزَةٌ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ كَالْحُرِّ وَإِنْ كَانَ مَقْتُولًا بِخِلَافِ الْحُرِّ. فَلَوْ ظَهَرَ مِنْهُ اللَّوْثُ فِي قَتْلِ سَيِّدِهِ جَازَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُقْسِمُوا وَإِنِ انْتَقَلَ إِلَى مُلْكِهِمْ بِالْمِيرَاثِ لِيَسْتَفِيدُوا بِالْقَسَامَةِ أَنْ يَقْتُلُوهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ وَأَنْ يَخْرُجَ بِهَا مِنَ الرَّهْنِ إِنْ كَانَ مَرْهُونًا وَأَنْ تَبْطُلَ فيها الوصية فيه إن كان موصاً به.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيُقْسِمُ الْمُكَاتَبُ فِي عَبْدِهِ لِأَنَّهُ مَالُهُ فَإِنْ لَمْ يُقْسِمْ حَتَّى عَجَزَ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقْسِمَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيمَا بِيَدِهِ، فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ كَانَ تَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ مَالِكٍ وَإِنْ قِيلَ لَا يَمْلِكُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ كَانَ تَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ مُسْتَحِقٍّ فَجَازَ لَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا أَنْ يُقْسِمَ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ. لِاسْتِحْقَاقِ الْمُكَاتَبِ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي بِيَدِهِ، فَإِنْ أَقْسَمَ الْمُكَاتَبُ مَلَكَ قِيمَةَ عَبْدِهِ لِيَسْتَعِينَ بِهَا فِي كِتَابَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْسِمْ حَتَّى مَاتَ أَوْ عَجَزَ صَارَ عَبْدُهُ وَجَمِيعُ أَمْوَالِهِ، لِسَيِّدِهِ فَيُقْسِمُ سَيِّدُهُ بَعْدَ عَجْزِهِ فِي كِتَابَتِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ مُكَاتَبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قُتِلَ عَبْدٌ لِأُمِّ وَلَدٍ فَلَمْ يُقْسِمْ سَيِّدُهَا حَتَّى مَاتَ وَأَوْصَى لَهَا بِثَمَنِ الْعَبْدِ لَمْ تُقْسِمْ وَأَقْسَمَ وَرَثَتُهُ وَكَانَ لَهَا ثَمَنُ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يُقْسِمِ الْوَرَثَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَا لَهَا شَيْءٌ إِلَّا أَيْمَانُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَدْفَعَ السَّيِّدُ إِلَى أُمِّ وَلَدِهِ عَبْدًا فَيُقْتَلُ فِي يَدِهَا قَتْلَ لَوْثٍ فَلِلسَّيِّدِ فِي دَفْعِهِ إِلَيْهَا حَالَتَانِ: