قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تحلفوا إلا بعد الاستثبات) .
قال الماوردي: إنما أَجَزْنَا لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعِظَ الْأَوْلِيَاءَ عِنْدَ أَيْمَانِهِمْ وَيُحَذِّرَهُمْ مَأْثَمَ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ. وَيَتْلُوَ عَلَيْهِمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ.
وَيَأْمُرُهُمْ بِالِاسْتِثْبَاتِ وَالْأَنَاةِ قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: اعْتِبَارًا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي اللِّعَانِ حِينَ وَعَظَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْخَامِسَةِ فَكَانَتِ الْأَيْمَانُ فِي الدِّمَاءِ بِمَثَابَتِهَا وَأَغْلَظَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ بِأَيْمَانِهِمْ مَا لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ مِنَ الْقَوَدِ فَقَدَّمَ الِاسْتِظْهَارَ بِالْوَعْظِ وَالتَّحْذِيرِ، فَأَمَّا وَعْظُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ عِنْدَ أَيْمَانِهِمْ فِي الْإِنْكَارِ فَإِنْ كَانَ فِي قَتْلِ عَمْدٍ لَمْ يوعظوا لأنه يوجب قود يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي قَتْلٍ خَطَأٍ وُعِظُوا وَحُذِّرُوا مَآثِمَ أَيْمَانِهِمُ الْكَاذِبَةِ.
فَأَمَّا الْأَيْمَانُ فِي الْأَمْوَالِ الْمَحْضَةِ: فَفِي الْوَعْظِ عِنْدَ الْأَيْمَانِ فِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَعِظُ الْحَالِفُ فِيهَا كَالدِّمَاءِ.
وَالثَّانِي: لَا يَعِظُ فِيهَا لِتَغْلِيظِ الدِّمَاءِ عَلَى غيرها.
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَتُقْبَلُ أَيْمَانُهُمْ مَتَى حَلَفُوا مُسْلِمِينَ كَانُوا عَلَى مُشْرِكِينَ أَوْ مُشْرِكِينَ عَلَى مُسْلِمِينَ لِأَنَّ كُلًّا وَلِيُّ دَمِهِ وَوَارِثُ دِيَتِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: تُقْبَلُ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَأَيْمَانُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْقَسَامَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحُقُوقِ. وَقَالَ مَالِكٌ: أَقْبَلُهَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلَا أَقْبَلُهَا فِي الْقَسَامَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَقْبَلُهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْقَسَامَةَ تُوجِبُ الْقَوَدَ، فَلَمَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُشْرِكُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْقَوَدَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْقَسَامَةَ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ مَنْ قُبِلَتْ أَيْمَانُهُمْ فِي الْأَمْوَالِ قُبِلَتْ أَيْمَانُهُمْ فِي الْقَسَامَةِ كَالْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّ سُقُوطَ الْقَوَدِ فِي حَقِّ الْمُشْرِكِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدِّيَةِ فَصَارَ فِيهَا كَالْمُسْلِمِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَسَامَةُ فِي عَبْدِهِ عَلَى الْأَحْرَارِ والعبيد) .
قال الماوردي: قد قضى الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ هَلْ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ أَمْ لَا؟ عَلَى