لَبَنٍ مُزِجَتْ بِأُوقِيَّتَيْنِ مِنْ مَاءٍ حَتَّى لَمْ يَتَمَيَّزِ الْمَاءُ مِنَ اللَّبَنِ، فَحُكْمُ جَمِيعِهِ فِي حُكْمِ اللَّبَنِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ التَّحْرِيمِ فَأَيُّ شَيْءٍ شَرِبَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَشُوبِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ ثَبَتَ بِهِ التَّحْرِيمُ.
وَإِذَا امْتَزَجَ لَبَنُ امرأتين ثم شربه المولود ثبت به تحريمها عَلَيْهِ سَوَاءٌ تَسَاوَى لَبَنُهُمَا أَوْ غَلَبَ لَبَنُ إِحْدَاهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِأَغْلَبِهِمَا لَبَنًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا فِي اعتبار الأغلب.
قال الشافعي رحمه الله تعالى " وَلَوْ جَبَّنَ اللَّبَنَ فَأَطْعَمَهُ كَانَ كَالرَّضَاعِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا جَبَّنَ اللَّبَنَ أَوْ أَغْلَاهُ بِالنَّارِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) [النساء: 23] وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْمُجَبَّنِ وَالْمَغْلِيِّ، وَلِأَنَّ زَوَالَ اسْمِ اللَّبَنِ مُوجِبٌ لِارْتِفَاعِ حُكْمِهِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْمَشُوبِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ " وَهَذَا أَبْلَغُ فِي سَدِّ المجاعة من مائع اللبن فوجب أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ بِالتَّحْرِيمِ، وَلِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ مَائِعًا تَعَلَّقَ بِهِ جَامِدًا كَالنَّجَاسَةِ وَالْخَمْرِ، وَلِأَنَّ انْعِقَادَ أَجْزَائِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ بَقَاءِ تَحْرِيمِهِ كَمَا لَوْ ثَخُنَ، وَلِأَنَّ تَغْيِيرَ صِفَتِهِ لَا تُوجِبُ تَغْيِيرَ حُكْمِهِ كَمَا لَوْ حَمُضَ وَقَدْ مَضَى الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ.
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه " ولا يحرم لبن البهمية إِنَّمَا يُحَرِّمُ لَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى جل ثناؤه {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} وقال {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا ارْتَضَعَ رَجُلَانِ مِنْ لَبَنِ بَهِيمَةٍ لَمْ يَصِيرَا أَخَوَيْنِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِلَبَنِهَا تَحْرِيمٌ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ وَأُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى مَالِكٍ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ أَصْحَابُهُ إِنَّ لَبَنَ الْبَهِيمَةِ يُحَرِّمُ وَيَصِيرَا بِلَبَنِهَا أَخَوَيْنِ اسْتِدْلَالًا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى لَبَنٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَا بِهِ أَخَوَيْنِ كَلَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتي أرضعنكم) وَالْبَهِيمَةُ لَا تَكُونُ بِارْتِضَاعِ لَبَنِهَا أُمًّا مُحَرَّمَةً كَذَلِكَ لَا يَصِيرُ الْمُرْتَضِعَانِ بِلَبَنِهَا أَخَوَيْنِ، لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ فَرْعٌ مِنَ الْأُبُوَّةِ. وَلِأَنَّ الرَّضَاعَ يُلْحِقُ بِالنَّسَبِ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْأَبَوَيْنِ وَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ الرَّضَاعُ إلا من جهتهما.