قال الشافعي رضي الله عنه: " قَالَ وَلَوْ حُلِبَ مِنْهَا رَضْعَةٌ خَامِسَةٌ ثُمَّ مَاتَتْ فَأُوجِرَهُ صَبِيٌّ كَانَ ابْنَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَوْتَهَا بَعْدَ حَلْبِ اللَّبَنِ فِي الْإِنَاءِ كَوْنُهَا بَعْدَ اجْتِمَاعِ اللبن في فمه، لأن فهمه كَالْإِنَاءِ فَلَمَّا كَانَ مَوْتُهَا بَعْدَ اجْتِمَاعِ اللَّبَنِ في فمه وقبل ازْدِرَادُهُ ثَبَتَ بِالتَّحْرِيمِ إِذَا ازْدَرَدَهُ كَذَلِكَ إِذَا مَاتَتْ بَعْدَ حَلْبِ اللَّبَنِ فِي الْإِنَاءِ فَوَجَبَ التَّحْرِيمُ إِذَا شَرِبَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّضَاعَ مُعْتَبَرٌ بِشَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ الْمُرْضِعَةِ، وَهُوَ خُرُوجُ اللَّبَنِ مِنْ ثَدْيِهَا.
وَالثَّانِي: وُلُوجُهُ فِي جَوْفِ الْمُرْتَضَعِ فَاعْتَبَرْنَا حَيَاةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُخْتَصُّ بِهِ وَلَمْ يَعْتَبِرْهَا فِيمَا يُخْتَصُّ بِصَاحِبِهِ كَالْجَارِحِ رَجُلًا إِذَا مَاتَ قَبْلَ الْمَجْرُوحِ كَانَ مَأْخُوذًا بِدِيَتِهِ إِذَا مَاتَ مِنْ جِرَاحَتِهِ كَمُرْسِلِ السَّهْمِ إِذَا مَاتَ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ إِلَى الْمَرْمَى ثُمَّ وَصَلَ السَّهْمُ إِلَيْهِ، فَمَاتَ كَانَ الرَّامِي مَأْخُوذًا بِدِيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ وَصُولُ السَّهْمِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوُجُودِ الْإِرْسَالِ فِي حَيَاتِهِ، وَكَالْحَافِرِ بِئْرًا إِذَا تَلِفَ فِيهَا إِنْسَانٌ بَعْدَ مَوْتِ حَافِرَهَا كَانَ مَأْخُوذًا بِدِيَتِهِ فِيمَا خَلَّفَهُ مَنْ تَرِكَتِهِ لِوُجُودِ الْحَفْرِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ قِيلَ: فَيَدْخُلُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ اكْتِسَابِ الْوَفَاءِ أَنْ يُعْتَقَ بِأَدَائِهِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوُجُودِ الْكَسْبِ فِي حَيَاتِهِ.
قِيلَ: لَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ مَا ذَكَرَ مِنْ كسب المكاتب، لأن المعتبر في الكتابة في جِهَةِ السَّيِّدِ الْعَقْدُ، وَمِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ الْأَدَاءُ فَمِثَالُهُ مِنَ الرَّضَاعِ مَوْتُ السَّيِّدِ بَعْدَ عَقْدِهِ، وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْكِتَابَةَ وَمَوْتُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْأَدَاءِ كَمَوْتِ الطِّفْلِ قَبْلَ الرَّضَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ رَضَعَ مِنْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَبَنُ الْمَيِّتَةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِذَا ارْتُضِعَ الْمَوْلُودُ مِنْ لَبَنِ الْمَيِّتَةِ الْحَاصِلِ مِنْ ثَدْيِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ التَّحْرِيمُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ كَارْتِضَاعِهِ فِي حَيَاتِهِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الرضاعة من المجاعة ".
وقول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ "، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي لَبَنِ