الْغَلَبَةِ، فَإِنَّ اللَّبَنَ إِذَا كَانَ مَغْلُوبًا صَارَ مُسْتَهْلَكًا بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ، وَزَالَ عَنْهُ الِاسْمُ، وَارْتَفَعَ عَنْهُ الْحُكْمُ.
أَمَّا زَوَالُ اسْمِهِ فَلِأَنَّ رَجُلًا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ اللَّبَنَ فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَمْ يَحْنَثْ بِشُرْبِهِ.
وَأَمَّا ارْتِفَاعُ حُكْمِهِ فَلِأَنَّ الْخَمْرَ لَوْ كَانَ مَغْلُوبًا فِي الْمَاءِ لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ بِشُرْبِهِ، وَلَوْ كَانَ الطِّيبُ مَغْلُوبًا فِي الْمَاءِ لَمْ يُفْدِ الْمُحْرِمُ بِاسْتِعْمَالِهِ، فَإِذَا زَالَ عَنِ الْمَغْلُوبِ اسْمُهُ، وَحُكْمُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ بِمَغْلُوبِ اللَّبَنِ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ اسْمِهِ وَحُكْمِهِ وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ تَحْرِيمَ اللَّبَنِ إِذَا كَانَ خَالِصًا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ إِذَا كَانَ مُخْتَلِطًا قِيَاسًا عَلَيْهِ إِذَا كَانَ غَالِبًا، وَلِأَنَّ كُلَّ مُمَازَجَةٍ تَسْلُبُ حُكْمَ اللَّبَنِ إِذَا كَانَ غَالِبًا لَمْ تَسْلُبْ حُكْمَهُ إِذَا كَانَ مَغْلُوبًا.
دليله إذا خلط بن آدَمِيَّةٍ بِلَبَنِ بَهِيمَةٍ فَإِنَّهُمْ يُوَافِقُونَ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ لَبَنُ الْبَهِيمَةِ أَكْثَرَ، وَلِأَنَّ كل ما تعلق به التحريم غائبا تَعَلَّقَ بِهِ مَغْلُوبًا كَالنَّجَاسَةِ فِي قَلِيلِ الْمَاءِ، وَلِأَنَّ اخْتِلَاطَ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ قَبْلَ دُخُولِهِ فَمَهُ كَاخْتِلَاطِهِ بِهِ فِي فَمِهِ، وَلَوِ اخْتَلَطَ بِهِ فِي فَمِهِ ثَبَتَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا كَذَلِكَ إِذَا اخْتَلَطَ قَبْلَ دُخُولِهِ فَمَهُ.
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِزَوَالِ اسْمِهِ الْمُوجِبِ لِارْتِفَاعِ حُكْمِهِ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْخَالِصَ دُونَ الْغَالِبِ ثُمَّ لَا يَقْتَضِي زَوَالَ الِاسْمِ عَنْهُ إِذَا كَانَ غَالِبًا مِنْ وُقُوعِ التَّحْرِيمِ بِهِ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَغْلُوبًا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْنَى دُونَ الِاسْمِ، وَالْمَعْنَى حُصُولُ اللَّبَنِ فِي جَوْفِهِ، وَقَدْ حصل بالامتزاح غَالِبًا وَمَغْلُوبًا كَالنَّجَاسَةِ إِذَا غَلَبَ الْمَاءُ عَلَيْهَا ثَبَتَ حُكْمُهَا مَعَ زَوَالِ اسْمِهَا.
فَأَمَّا سُقُوطُ الْحَدِّ بِمَغْلُوبِ الْخَمْرِ دُونَ غَالِبِهِ، فَلِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبَهَاتِ.
فَأَمَّا سُقُوطُ الْفِدْيَةِ بِمُسْتَهْلَكِ الطِّيبِ فِي الْمَاءِ فَلِزَوَالِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ.
وَأَمَّا سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ عَنِ الْحَالِفِ فَلِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ التَّحْرِيمُ بِاللَّبَنِ الْمَشُوبِ غَالِبًا وَمَغْلُوبًا، فَلَا يَخْلُو أَنْ يُشْرَبَ جَمِيعُ الْمَشُوبِ أَوْ بَعْضُهُ، فَإِنْ شُرِبَ جَمِيعُ الْمَشُوبِ بِاللَّبَنِ ثَبَتَ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَإِنْ شُرِبَ بَعْضُهُ لَمْ يَخْلُ أَنْ يُعْلَمَ اخْتِلَاطُ اللَّبَنِ بِجَمِيعِهِ أَوْ لَا يُعْلَمَ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمِ اخْتِلَاطُ اللَّبَنِ بِجَمِيعِهِ كَقَطْرَةٍ مِنْ لَبَنٍ وَقَعَتْ فِي جُبٍّ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ الطِّفْلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَإِنْ عُلِمَ اخْتِلَاطُ اللَّبَنِ بِجَمِيعِهِ كَأُوقِيَّةٍ مِنْ