أَحَدُهُمَا: يَجْرِي لَهُ الْوَقْفُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِصَابَةَ لَا حُكْمَ لَهَا فَصَارَ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَدْ سَقَطَ حُكْمُ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ بِهَذِهِ الْإِصَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ بِهَا أَصْلُ الْإِيلَاءِ كَالرَّجْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْوَقْفِ لِأَنَّهَا قَدِ اسْتَوْفَتْ بِالطَّلَاقِ مَا اسْتَحَقَّتْهُ بِالْوَقْفِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ هَاهُنَا، لِأَنَّهُ وَقْفٌ فِي حَقِّ الْجُنُونِ، قَدِ اسْتَوْفَتْ بِالْإِصَابَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ لَهَا مَا اسْتَحَقَّتْهُ بِالْوَقْفِ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ إِبْقَاءُ الْإِيلَاءِ أَوْ يُسْتَأْنَفُ لَهُ وَقْفٌ ثَانٍ بَعْدَ الْإِصَابَةِ.
فَأَمَّا إِنْ جُنَّتِ الْمَرْأَةُ الْمُولَى مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِصَابَتِهَا فِي الْجُنُونِ لِهَرَبٍ أَوْ بَطْشٍ لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهَا زَمَانُ جُنُونِهَا، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهَا فَإِذَا أَفَاقَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ اسْتُؤْنِفَ الْوَقْفُ، وَإِنْ أَفَاقَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَبَعْدَ جُنُونِهَا اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْوَقْفِ وَكَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ مَعَ الْإِفَاقَةِ فَأَمَّا إِذَا أَمْكَنَ الزَّوْجَ إِصَابَتُهَا فِي حَالِ الْجُنُونِ كَانَ زَمَانُ الْجُنُونِ مَحْسُوبًا مِنَ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْإِصَابَةِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ لَمْ تَسْتَحِقَّ عَلَيْهَا الْمُطَالَبَةُ مَا كَانَتْ بَاقِيَةً فِي جُنُونِهَا لِأَنَّهُ مُوقَفٌ عَلَى اخْتِيَارِهَا مِنْ شَهْوَتِهَا، فَإِنْ أَصَابَهَا فِي حَالِ الْجُنُونِ سَقَطَ حَقُّهَا مِنَ الْإِيلَاءِ وَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَى الزَّوْجِ بِالْإِصَابَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ لَمْ يُطَالَبْ لَكِنْ يُقَالُ اسْتِحْبَابًا يَنْبَغِي أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا فَيَفِيءُ أَوْ يُطَلِّقُ، وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى فَيْئَةٍ أَوْ طَلَاقٍ.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْإِيلَاءِ إِذَا حَاكَمَ إِلَيْنَا وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ وَاحِدٌ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ لَوْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ تَسْتَعْدِي بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ حَكَمْتُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حكمي على المسلمين ولو جاء رجل منهم يطلب حقاً كان على الإمام أن يحكم على المطلوب وإن لم يرض بحكمه (قال المزني) رحمه الله هذا أشبه القولين به لأن تأويل قول الله عز وجل عنده {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} أن تجري عليهم أحكام الإسلام.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى حُكْمُ الذِّمِّيَّيْنِ إِذَا تَحَاكَمَا إِلَيْنَا، هَلْ يَجِبُ عَلَى حَاكِمِنَا الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا جَبْرًا أَوْ يَكُونُ فِي الْحُكْمِ مُخَيَّرًا، عَلَى الْقَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحُكْمِ وَالتَّرْكِ، وَهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ الِالْتِزَامِ وَالْإِسْقَاطِ لِقَوْلِ الله تعالى {فإن جاؤوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الْتِزَامُ حُكْمَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ