وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنَ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي فِعْلِهِ لَا فِي فِعْلِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ فَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ الإيلاء والله أعلم.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ آلَى ثُمَّ جُنَّ فَأَصَابَهَا فِي جُنُونِهِ أَوْ جُنُونِهَا خَرَجَ مِنَ الْإِيلَاءِ وَكَفَّرَ إِذَا أَصَابَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَمْ يُكَفِّرْ إِذَا أَصَابَهَا وهو مجنون لأن القلم عنه مرفوع فِي تِلْكَ الْحَالِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ جعل فعل المجنون في جنونه كالصحيح في خروجه من الإيلاء (قال المزني) رحمه الله إذا خرج من الإيلاء في جنونه بالإصابة فكيف لا يلزمه الكفارة ولو لم يلزمه الكفارة ما كان حانثاً وإذا لم يكن حانثاً لم يخرج من الإيلاء) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُولِيَ إِذَا جُنَّ كَانَ زَمَانُ جُنُونِهِ عَلَيْهِ مَحْسُوبًا، لَكِنْ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يُفِيقَ فَلَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ الْأَوَّلُ بِالْجُنُونِ وَيَبْطُلُ بِهِ الْوَقْفُ الثَّانِي، فَإِنْ وَطِئَ فِي جُنُونِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ بِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُ، وَأَنَّ أَفْعَالَهُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَفْوٌ، وَهَلْ يَسْقُطُ بِهَذَا الْوَطْءِ حَقُّهَا مِنَ الْإِيلَاءِ أَمْ لَا، عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا قَدْ وَصَلَتْ إِلَى حَقِّهَا مِنَ الْإِصَابَةِ فَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَالْوَاطِئِ نَاسِيًا لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَيَسْقُطُ بِهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ قَوْلًا وَاحِدًا وَكَالْمُولِي مِنْ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ إِذَا قَصَدَ وطء غير المولى منهما فَخَفِيَتْ عَلَيْهِ وَوَطِئَ الْمُولِي عَنْهَا سَقَطَ حَقُّهَا وإن لم يقصد وطئها، فَتَعَلَّقَ بِهَذَا الْوَطْءِ حَقَّانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُرَاعَى الْقَصْدُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ كَالْمُسْلِمِ إِذَا حَاضَتْ زَوْجَتُهُ الذِّمِّيَّةُ أَجْبَرَهَا عَلَى الْغُسْلِ، وَإِنْ لَمْ يُنْوَ لِأَنَّ فِي غُسْلِهَا حَقَّيْنِ.
أَحَدُهُمَا: لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْآخَرُ لَهُ وَيَصِحُّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَهُوَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ أُجْزِئَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّهَا عَلَى حَقِّهَا مِنَ الْفَيْئَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ، وَلَا يَسْقُطُ بِهَذِهِ الْإِصَابَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْنَثْ بِهَا وَيَلْزَمِ الْكَفَّارَةَ، وَكَانَ وَطْؤُهُ مِنْ بَعْدُ مُوجَبًا بِالْكَفَّارَةِ كَانَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ بَاقِيًا.
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ، فَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ إِنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ قَدْ سَقَطَ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا وَيَمِينُهُ بَاقِيَةٌ مَتَى وَطِئَهَا حَنِثَ كَمَنْ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَكَانَ حَالِفًا مَتَى وَطِئَهَا حَنِثَ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّانِي إَِنَّهُ يَكُونُ عَلَى إِيلَائِهِ وَيَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ بَعْدَ إِقَامَتِهِ فَهَلْ يُجْزِيهِ الْوَقْفُ الْأَوَّلُ أَوْ يُسْتَأْنَفُ لَهُ وَقْفٌ ثَانٍ بَعْدَ الْإِصَابَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: