مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّ الْعُنَّةَ مِنَ الْعُيُوبِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِيهَا لَكِنْ مَعَ يَمِينِهِ لِإِمْكَانِ كَذِبِهِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا حَلَفَ قِيلَ لَهُ عَلَيْكَ أَنْ تَفِيءَ بِلِسَانِكَ فَيْءَ مَعْذُورٍ، فَإِذَا فَاءَ بِلِسَانِهِ أُجِّلَ لِلْعُنَّةِ سَنَةً فَإِنْ أَصَابَ فِيهَا سَقَطَ بِهَا حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ فِيهَا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْعُنَّةِ وَكَانَ لَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الْمُقَامِ أَوِ الْفَسْخِ، فَإِنْ أَقَامَتْ سَقَطَ حَقُّهَا مِنَ الْعُنَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا الرُّجُوعُ فِيهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهَا مِنَ الْإِيلَاءِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا الرُّجُوعُ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ فَاءَ لَهَا فَيْءَ مَعْذُورٍ، وَإِنْ لَمْ تَخْتَرِ الْمُقَامَ مَعَهُ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَقَعَ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا بِالْعُنَّةِ وَقَدِ اسْتَوْفَتْ حَقَّهَا مِنَ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا فِي الْعُنَّةِ لَا طَلَاقًا فِي الْإِيلَاءِ وَحُكْمُ الْفَسْخِ أَغْلَظُ مِنْ حُكْمِ الطَّلَاقِ، فَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْعُنَّةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَتْهُومًا بِدَعْوَاهَا لِيُقْتَنَعَ مِنْهُ بِفَيْءِ الْمَعْذُورِ وَيُنْظَرَ سَنَةً بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ فَرُدَّ قَوْلُهُ بِهَذِهِ التُّهْمَةِ وَإِذَا صَارَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَرْدُودَ الْقَوْلِ قِيلَ لَا يَسْقُطُ عَنْكَ الْمُطَالَبَةُ إِلَّا بِفَيْئَةِ الْجِمَاعِ وَأَنْتَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا وَإِلَّا طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ جَامَعَهَا مُحْرِمَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ هُوَ مُحْرِمٌ أَوْ صَائِمٌ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا وَطِئَهَا الْمُولِي وَطْئًا مَحْظُورًا فِي إِحْرَامٍ، أَوْ صِيَامٍ، أَوْ ظِهَارٍ، أَوْ حَيْضٍ كَانَ فِي سُقُوطِ حَقِّهَا مِنَ الْإِيلَاءِ فِي حُكْمِ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا فَكَذَلِكَ فِي الإيلاء.
والثاني: أنه قَدْ وَصَلَتْ إِلَى حَقِّهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا كَوُصُولِهَا إِلَيْهِ إِذَا كَانَ مُبَاحًا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْحِنْثِ بِمَحْظُورِ الْوَطْءِ مَا يَلْزَمُ بِمُبَاحِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ سُقُوطُ الْإِيلَاءِ بِمَثَابَتِهِ، وَخَالَفَ هَذَا قَضَاءَ الدَّيْنِ بِالْمَالِ الْمَغْصُوبِ لِأَنَّهُ يَقَعُ مَوْقِعَ الْحَلَالِ فِي الْمِلْكِ، فَلَمْ يَقَعْ مَوْقِعَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَلَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ سَقَطَ حَقُّهَا مِنَ الْإِيلَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوِ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، فَفِي سُقُوطِ حَقِّهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ سَقَطَ حَقُّهَا لِوُصُولِهَا إِلَى الْإِصَابَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ قَدَّرَ عَلَيْهِ الْغُسْلَ وتحريم المصاهرة.