وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مُمْتَنِعًا بِسَلَامَةِ جِسْمِهِ حَتَّى قُتِلَ لِيَكُونَ فِي الْقَتْلِ كَفٌّ لِشَرِّهِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ صَارَ بِجِرَاحٍ قَدْ تَقَدَّمَتْ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَسَلَبُهُ لِمَنْ كَفَّهُ وَمَنَعَهُ دُونَ مَنْ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْطَى سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ ابْنَ عَفْرَاءَ دُونَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُمَا صَرَعَاهُ فَجَرَحَاهُ وَكَفَّاهُ عَنِ الْقِتَالِ، وَصِفَةُ الْكَفِّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ السَّلَبِ أَنْ يَجْتَمِعَ شَرْطَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنَالَهُ مِنَ الْجِرَاحِ مَا يَعْجِزُ مَعَهُ عَنِ الْقِتَالِ فَيَصِيرُ بِهِ مَكْفُوفَ الشَّرِّ، وَسَوَاءٌ قَطَعَ أَطْرَافَهُ الْأَرْبَعَةَ أَوْ بَعْضَهَا أَوْ كَانَ الْجِرَاحُ فِي غَيْرِ أَطْرَافِهِ، وَقَدْ رَوَى الْمُزَنِيُّ: " وَلَوْ ضَرَبَهُ فَقَدَّ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ فَإِنَّ سَلَبَهُ لِلْأَوَّلِ ".
وَرَوَى الرَّبِيعُ: " وَلَوْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ " وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ مَكْفُوفًا كَمَا وَهِمَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ فِيهِ بِأَنْ يَصِيرَ بِالْجِرَاحِ عَاجِزًا عَنِ الْقِتَالِ صَرِيعًا.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ لَا تَطُولَ بِهِ مُدَّةُ الْحَيَاةِ بَعْدَ الْجِرَاحِ، فَيُكْفَى شَرَّ رَأْيِهِ وَتَدْبِيرِهِ فَيَصِيرُ بِاجْتِمَاعِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ سَلَبُهُ لِلْجَارِحِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي الْقَاتِلِ.
وَأَمَّا إِنْ جَرَحَهُ جِرَاحَةً لَا تَطُولُ مُدَّةُ الْحَيَاةِ بَعْدَهَا لَكِنَّهُ قَدْ يُقَابِلُ مَعَهُ فَلَا سَلَبَ لِجَارِحِهِ؛ لِأَنَّ مَا كَفَى شَرَّ قِتَالِهِ وَالسَّلَبُ لِقَاتِلِهِ وَلَوْ نَالَهُ بِالْجِرَاحِ مَا كَفَّهُ عَنِ الْقِتَالِ وَأَعْجَزَهُ عَنْهُ أَبَدًا، لَكِنْ طَالَتْ بِهِ مُدَّةُ الْحَيَاةِ بَعْدَهُ فَفِي سَلَبِهِ قَوْلَانِ مِنْ قَتْلِ الشُّيُوخِ:
أَحَدُهُمَا: السَّلَبُ لِجَارِحِهِ دُونَ قَاتِلِهِ إِذَا قِيلَ إِنَّ الشُّيُوخَ وَالرُّهْبَانَ لَا يُقْتَلُونَ.
وَالثَّانِي: لِقَاتِلِهِ دُونَ جَارِحِهِ إِذَا قِيلَ يُقْتَلُونَ، فَهَذِهِ الشُّرُوطُ الَّتِي ذَكَرْنَا يُسْتَحَقُّ السَّلَبُ بِهَا، وَقَالَ دَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْطَى سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ لِابْنِ عَفْرَاءَ دُونَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ كَانَ قَاتِلًا، وَقِيلَ: إِنَّهُ تقلد منه سيفه وحده.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَالسَّلَبُ الَّذِي يَكُونُ لِلْقَاتِلِ كُلُّ ثَوْبٍ يَكُونُ عَلَيْهِ وَسِلَاحُهُ وَمِنْطَقَتُهُ وَفَرَسُهُ إِنْ كَانَ رَاكِبَهُ أَوْ مُمْسِكَهُ وَكُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ يَدِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا كَانَ السَّلَبُ مُسْتَحَقًّا بِالْقَتْلِ الَّذِي وَصَفْنَاهُ انْتَقَلَ الْكَلَامُ فِيهِ إِلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا: فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ مِنَ الْقَاتِلِينَ.
الثَّانِي: فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ عَنِ الْمَقْتُولِينَ.
وَالثَّالِثُ: فِيمَا يَكُونُ سَلَبًا مُسْتَحَقًّا بِالْقَتْلِ.
فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ: الْقَاتِلُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ فَهُوَ كُلُّ ذِي سَهْمٍ فِي الْغَنِيمَةِ مِنْ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ فَلَهُ سَلَبُ قَتِيلِهِ.
فَأَمَّا مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَضَرْبَانِ: