فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ مِنْ غَيْرِ تَخْمِيسٍ فَهُوَ لَهُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: هُوَ لَهُ مِنَ الْخُمْسِ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمُعَدِّ لِوُجُوهِ الْمَصَالِحِ، فَإِنْ زَادَ السَّلَبُ عَلَيْهِ رُدَّتِ الزِّيَادَةُ إِلَى الْقِسْمَةِ اعْتِبَارًا بِالنَّفْلِ الْمُسْتَحَقِّ من الخمس، وهذا غير صحيح؛ لأنه قَتِيلَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَلَبَهُ لَهُ أَجْمَعَ - وَكَانَ جَمِيعَ الْغَنِيمَةِ - لِأَنَّهُ لَمْ يَغْنَمْ سِوَاهُ، وَلِأَنَّ مَا اسْتُحِقَّ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا شَرْطٍ كَانَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ دُونَ الْخُمُسِ كَالسِّهَامِ، وَخَالَفَ النَّفْلَ الَّذِي لَا يُسْتَحَقُّ إِلَّا بِاجْتِهَادٍ أَوْ شَرْطٍ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا صَحَّ مَا وَصَفْنَا مِنَ اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ مِنْ غَيْرِ تَخْمِيسٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ: هَلْ هُوَ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ أَوْ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ الْآيَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ الْآيَةِ، ولهذين الْقَوْلَيْنِ بَيَانٌ نَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَالَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنْ يُعْطَى السَّلَبُ مَنْ قَتَلَ مُشْرِكًا مُقْبِلًا مُقَاتِلًا مِنْ أَيِّ جهة قتله مبارزا أو غير مبارز وقد أعطى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سلب مرحب من قتله مبارزا وأبو قتادة غير مبارز ولكن المقتولين مقبلان ولقتلهما مقبلين والحرب قائمة مؤنة ليست له إذا انهزموا أو انهزم المقتول وفي حديث أبي قتادة رضي الله عنه دل عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " من قتل قتيلا له عليه بينة " يوم حنين بعد ما قتل أبو قتادة الرجل فأعطاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذلك حكم عندنا (قال الشافعي) ولو ضربه ضَرَبَهُ فَقَدَّ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ آخر فإن سلبه للأول وإن ضربه ضربة وهو ممتنع فقتله آخر كان سلبه للآخر ولو قتله اثنان كان سلبه بينهما نصفين وهذا صحيح ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ مِنْ غَيْرِ تَخْمِيسٍ فَاسْتِحْقَاقُ الْقَاتِلِ مُعْتَبَرٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْحَرْبُ قَائِمَةً وَالْقِتَالُ مُسْتَمِرًّا، فَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَانْجِلَاءِ الْوَاقِعَةِ فَلَا سَلَبَ لَهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مُقْبِلًا عَلَى الْحَرْبِ، سَوَاءٌ كَانَ يُقَاتِلُ أَوْ لَا يُقَاتِلُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَهُوَ رَدٌّ لِمَنْ تَقَاتَلَ، فأما إن قتله وهو مولي عن الحرب تاركا لَهَا فَلَا سَلَبَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَّ فَيَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ؛ لِأَنَّ الْحَرْبَ كَرٌّ وَفَرٌّ، لَكِنْ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُ مِنْ أَمَامِهِ أَوْ مِنْ وَرَائِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ سَلَبِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَتَلَ الْمُشْرِكَ الَّذِي أَخَذَ سَلَبَهُ مِنْ وَرَائِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ فِي قَتْلِهِ مُغَرِّرًا بِنَفْسِهِ إِمَّا بِأَنْ يَقْتُلَهُ مُبَارَزَةً أَوْ غَيْرَ مُبَارَزَةٍ، وَإِذَا خَرَجَ الْقَاتِلُ عَنْ صَفِّهِ فَغَرَّرَ، فَأَمَّا إِذَا قَتَلَهُ مِنَ الصَّفِّ بِسَهْمٍ رَمَاهُ فَلَا سَلَبَ لَهُ.